للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(فأثبتناه) أي: أثبتنا ملك الجارية بالهبة الثّابتة في ضمن الإذن.

فإنْ قلت: يُشكل على هذا ما ذكره في أصول الفقه، وهو أنَّ الرّجل إذا قال لغيره: أعتِق عبدك عنّي بغير شيء، فأعتقه يقع العِتق عَن المأمور عند أبي حنيفة، ومحمّد خلافًا لأبي يوسف. هما يقولان: المقتضى تَبَع للمقتضي، والقبض فِعل ليس من جنس القَول فلا يثبت في ضمنه، ولا وجه لإسقاط القبض بطريق الاقتضاءلأنّ العمل بالمقتضى إنَّما يكون في إسقاط ما يحتمل السُّقوط دون ما لا يحتمِل، وشرط القبض بوقوع الملك في الهبة لا يحتمِل السّقوط بحالٍ بخلاف القبول في البيع فإنّه يحتمل السُّقوط بالتعاطي، وهنا أيضًا كذلك يجب أنْ لا تثبت الهبة في ضمن الإذن على قولهما أيضًا؛ لأنّ جميع ما ذكرا هناك موجود ههنا.

قلت: ذكر في الإيضاح: أبو حنيفة يقول بأنَّ القياس أنّ كلَّ ما يتصور أنْ يكون على الشّركة أنْ يقع مشتركًا بينهما إلّا فيما تمسّ الضرورة إليه مما لا بدّ منه، والجارية ليست من ذلك القَبيلفَوقع على الشركة، فوقوعه على الشّركة لايستدعي إذنًا جديدًا، فلم يبقَ لهذا الإذن تأثير إلّا في التّمليك، كأنّه قال: اشترِ جاريةً بينَنَا وقد وهَبْتُ لك نصيبي منها، فإذا اشترى وقَبَض صحّت الهبة فلا يرجع بشيء من الثّمن؛ لأنَّه نَقَد المال المشترَك فيما هو واقع للشّركة. وبهذا التّقرير يُعلم أنّ الهبة ههنا إنّما كانت بعد ثبوت الملك بينهما مشتركًا، وبعد القبض، وهبة المشاع فيما لا يحتمِل القِسمة جائزة سواء كانت للشّريك أو لغيره (١).

وذكر في الفوائد الظّهرية بعد تقرير كلام موافق لهذا التّقرير، فقال: بقي هاهنا إشكالٌهائل، وهو أنّ الملك يثبت في نصيب الشّريك بالهبة حكمًا للإذن بالوطء، فإنَّ أصل المسألة هو أنْ يأذن أحد المتفاوِضين لصاحبه أن يشتري جاريةً فيطأها، ففعل فهي له، ولا يثبت الملك في الجارية بالهبة حكمًا للإحلال، فإنَّ الرَّجل إذا قال لغيره: أحللت لك وطء هذه الجارية فالجارية لا تصير ملكًا للمخاطَب حكمًا للهبة بالإحلال. وعلى قياسُ هذا وجب أنْيثبُت، ثُمّ قال: ولا وجه يُتراءى في التّقصّي عَن هذا الإشكال سوى أنّ نصيب الشّريك مِن الجارية المشتركة أقبل للتملُّك مِن جارية لم يكن للمخاطَب في شقص منها ملك، بدليل أنّ أحد الشّريكين يملك الجارية المشتركة بالاستيلاد، ومَن لم يكُن له ملك في شقص منها لا يملكها بالاستيلاد إذا لم يكُن له حقُّ التملُّك، ومن له حقُّ التملُّك كالأب والجدّ، فالرِّواية غير محفوظة أنَّه لا يثبت الملك له حكمًا للهبة بالإحلال (٢)، ثُمّ قال: ويتحايل ههنا فرق آخر وهو أنّ قوله: أحلَلْتُك وطء هذه الجارية لا يمكن إثبات موجِبه على تقدير ثبوت الملك لوجوب الاستبراء على تقدير ثبوت الملك، وقولهفيما نحن فيه: "فيطأها"، يمكِن حمله (٣) على


(١) ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٦/ ٧٤).
(٢) ينظر فتح القدير (٦/ ١٩٩).
(٣) في (ب) "حملها".