للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(لأنَّه يعتبره بالهبة والصّدقة المنفذة) أي: الصّدقة الخاصّة المسلّمة إلى الفقير. هذا احتراز عن الصّدقة الموقوفة، وهي التي نحن فيها، فإنَّ الوقف صدقة أيضًا لكن ليس بخاصّة لعدم التّمليك من الفقراء ولصحّة تصرُّف الواقف فيه بعد الوقف. ولفظ الأسرار يدلُّ على هذا، وكذلك (١) لفظ الكتاب بقوله: "والصّدقة المملوكة" (٢) تدلُّ على هذا يعني: لا تجوز الصّدقة الخاصة في الشائع الّذي يحتمل القسمة فكذا الوقف.

وذكر في الأسرار"واحتجّ محمد بأنّ الوقف صحته بلفظ الصحّة (٣)، إمّا اقتضاء أو إفصاحًا، وتمام الصدقة بالقبض. دلّ عليهأنّ الصّدقة الخاصّة مجمع عليها، وهذا، أيْ: الوقف، فيه اختلاف، فلمّا لم يصح المجَمع عليه إلا بالقبض، فهذا أولى. ولأبي يوسف أنّ هذه الصّدقة لما تمّت بالإبطال دون التّمليك فارقت الصّدقة الخاصّة وأشبهت الطلاق والعتاق والإبراء عن الدَّين" (٤).

وقوله: (إلا في المسجد والمقبرة)

استثناء من قوله: (ووقف المشاع جائز عند أبي يوسف (٥) فإنّه لا يتمُّ مع الشيوع فيما لا (٦) يحتمل القسمة، بأنْ كان الموضِع صغيرًا لا يصلح لما أراده الواقف مِن اتّخاذ المسجد، واتّخاذ المقبرة على تقدير القسمة. وكتب شيخي -رحمه الله- بالفَارسية في هذا الموضع "بان كه صالح نماند مر نماز كردن رامرده را" (٧) وحاصل ذلك أنَّ جعل المسجدوالمقبرة في المشاع الّذي لا يحتمِل القسمة لا يجوز أصلًا لا قبل القِسمة، وهو حال كونه مشاعًا، ولا بعد القسمة. أمّا قبل القسمة فلأنَّ (٨) بقاء الشّركة يمنع الخلوص على ما يجيء في مسألة مَن جعل (٩) مسجدًا تحته سرداب … إلى آخره، فلا يكون مسجدًا. وأمّا بعد القسمة، فلأنَّه لا يصلح لما أريد منه من اتّخاذ المسجد والمقبرة بعد القسمة لصغرهلأنّ الكلام فيه، فلا يكون مسجدًا، ولا مقبرة، فأمّا الوقف في الشّائع الّذي لا يحتمِل القسمة فيجوز بالاتّفاق. أمّا عند أبي يوسف -رحمه الله- فالشُّيوع غير مانع أصلًا، وأمّا عند محمّد -رحمه الله- فيجوز فيما لا يحتمِل القسمة لصلاحيته لما أراده الواقف، فإنّ الانتفاع بالشائع (١٠) ممكن إمّا (١١) بطريق المهايأة (١٢) أو بطريق الاستغلال وقسمة الغَلَّة. وأما المسجد والمقبرة في مثل هذا الموضِع يؤدِّي إلى أمر قبيح، وذلك لأنَّا لو جوَّزناه وقعت الحاجة إلى المهايأة لعدم جواز الانتفاع بالاستغلال، وفي القول بالمهايأة يلْزم أنْ يقال نقبر (١٣) فيه الموتى في سنة ثم ينبش في السَّنة الثانية ويزرع لمراعاة حق المالك.


(١) في (ب) "كذا".
(٢) الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ١٦).
(٣) في (ب) "الصدقة".
(٤) الأسرار (٣/ ٣٢١).
(٥) ينظر المبسوط للسرخسي (١٢/ ٣٦ - ٣٧).
(٦) ساقط من (ب).
(٧) جملة فارسية بمعنى: الصلاة الى مشاهد الصالحين الموتى محظورة، والله أعلم، أفادني بها الأستاذ/ أحمد فواز الحمير.
(٨) في (ب) "فإن".
(٩) في (ب) "يجعل".
(١٠) في (ب) "للشائع".
(١١) ساقط من (ب).
(١٢) المهايأة، بالهمزة: في الدار ونحوها مقاسمة المنافع وهي أن يتراضى الشريكان أن ينتفع هذا بهذا النصف المفرز، وذاك بذاك النصف، أو هذا بكله في كذا من الزمان وذاك بكله في كذا من الزمان، بقدر مدة الأول. وقد تهايأ أي: فعلا ذلك، وهايأ فلان فلانًا، وأصله من قولك هيأته فتهيأ أي: أعددته فاستعد، وهاء يهيء إذا تهيأ وهيئة الشّيء قريبة من هذا. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: ١٢٧).
(١٣) في (ب) "يُقبر".