للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر محمّد -رحمه الله- في آخر "كتاب الوقف" أنّ الوقف المؤقَّت باطل، ولم يذكر فيه خلافًا، فيحمَل ذلك على أنّه قول محمّد. وإنْ كان على الوفاق، فهو إحدى الرّوايتين عن أبي يوسف -رحمه الله-، فقد روى الحسن بن أبي مالك عَن أبي يوسف أنَّ الوقف المؤقَّت باطل. وبعض مشايخنا قالوا: لا خلاف في أنَّ التّأبيد شرط صحّة الوقف وإنّما الخلاف في تلك المسألة في شيء آخَر أنّ عند أبي يوسف يثبت التَّأبيد بنفس الوقف مِن غير اقتران شيء آخر به، وعند محمد -رحمه الله- لا يثبت التَّأبيد بنفس الوقف ما لم يجعل آخره للمساكين والفقراء، ولما كان من مذهب أبي يوسف أن التَّأبيد يثبت بنفس الوقف، فإذا مات أولاده وانقرضوا حينئذ تصرَف (١) الغَلَّة إلى الفقراء.

وهذا القائل يقول ما ذكر في شرح الطحاوي وفي شرح شمس الأئمّة أنّه إذا مات أولاده يعود إلى ملكه خَطأ، وفي المنتقى: بِشر عن أبي يوسف: إذا وقف أرضه على ذي الحاجة مِن وَلَده ووَلَد ولَدِه ما تناسلوا أبدًا فذلك جائز، ولو وقفها على فقراء ولَده، ولم يجعلها لفقراء النَّسل منهم لم يجز. قال: لا يجوز من الوقف إلا الوقف المؤبّد، فإذا كان الوقف لقوم خاصٍّ لا يجوز الوقف عليهم؛ لأنَّه ينقطع (٢)، فهذا تنصيص من أبي يوسف أنَّ التأبيد شرط؛ لأنّ الوقف على الولد ليس بوقف على الأبد، وإذا ذكر النَّسل فهو وقف أبدًا.

قوله: (لهما: أنّ موجب الوقف زوال الملك).

فإنْ قلت: يتناقض هذا الكلام بما قبله على قول أبي حنيفة -رحمه الله- فإنّه ذكر في أوّل "كتاب الوقف" من الكتاب، وهو في الشّرع عند أبي حنيفة: حبس العين على ملك الواقف، فلمّا كان موجِب الوقف عند أبي حنيفة -رحمه الله- عدم زوال [الوقف عن] (٣) مُلك الواقف كيف يكون موجبُه عنده زوال [الملك عن] (٤) ملك الواقف.

قلت: جعل في المبسوط والذخيرة والتَّتمة وغيرها هذا القول، وهو زوال الملك عن ملك الواقف بشرط التأبيد، قول محمد خاصَّة، لا قول أبي حنيفة (٥)، فعلى ما ذكره في الكتاب جاز أنْ يكون عنه روايتان، فوقع التَّعليل في الموضِعين على حسب تينك الرِّوايتين، أو أراد ههنا ما إذا حكم الحاكم بصحّة الوقف ولزومه، فحينئذ يخرج الوقف عن ملك الواقف بالاتّفاق، لما ذكرنا أو فرع هذا الحكم على قول مَن يرى خروجه عن ملكه وهو/ قولهما كما في مسائل المزارعة.


(١) في (ب) "يصرف".
(٢) ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٦/ ١١١).
(٣) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).
(٤) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).
(٥) ينظر المبسوط للسرخسي (١٢/ ٤١).