للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في الإيضاح "لأن الاستثناء استخراج من الكلام، لو قال: بعت منك هذه الصبرة إلا قفيزاً منها بدرهم فالبيع جائز في جميع الصبرة، إلا في قفيز؛ لأنه استثنى ما يجوز إيراد العقد عليه؛ لأنه لو باع قفيزاً من الصبرة يجوز (١)، وبمثله له قال: بعت منك هذا القطيع من الغنم إلا شاة منها بغير عينها بمائة درهم، لا يجوز (٢)؛ لأنه استثنى ما لا يجوز أبداً (٣) (إفراد) (٤) العقد عليه؛ لأنه لو باع شاة من الجملة بغير عينها بمائة درهم [لا يجوز (٥).

ولو قال: بعت منك هذا القطيع إلا هذه الشاة بعينها بمائة درهم] (٦) فالبيع جائز؛ لأنه استثنى ما يجوز إيراد العقد عليه، وكذلك الحكم من جميع العددي المتفاوت، مثل الثياب، والعبيد، والحيوان، بخلاف الكيلي والوزني، والعددي المتقارب، فإن استثناء قدر منه، وإيراد العقد على ذلك القدر فيها جائز؛ لعدم أداء الجهالة إلى المنازعة (٧).

فإن قلت (٨): ما الفرق بين ما إذا قال الرجل: بعت منك هذا القطيع من الغنم إلا هذه الشاة بعينها بمائة درهم فإنه جائز على ما ذكرت في رواية شرح الطحاوي، وبين ما إذا قال: بعت منك هذا القطيع من الغنم كله على أن لي هذه الشاة الواحدة منه بعينها، فإنه لا يجوز، وفي هذه الصورة استثنى الشاة المعنية من القطيع معنى أيضاً، ومع ذلك لا يجوز.

قلت: أصل هذا الفرق راجع إلى ما ذكرنا من أن الاستثناء يقتضي أن يكون المستثنى مقصوداً؛ وذلك لأن الاستثناء هو التكلم بالباقي بعد (الثنيا) فكانت الشاة المعينة في الاستثناء الحقيقي غير داخلة في البيع من الابتداء، على ما هو الأصل (٩)، بخلاف قوله على أن لي هذه الشاة الواحدة المعينة فإنها دخلت أولاً في الجملة، ثم خرجت بحصتها من الثمن وهي مجهولة، فيفسد البيع في الكل، ونظير هذا ما لو قال: بعت منك هذا العبد إلا عُشره أنه يصح في تسعة أعشاره، ولو قال: بعته بكذا على أن لي عُشره لم يصح لهذا المعنى، إلى هذا أشار في بيوع الخصائل لنجم الدين -رحمه الله- (١٠).


(١) "و" زيادة في (ب).
(٢) "فالبيع فاسد" في (ب).
(٣) سقط من (ب).
(٤) أثبته من (ب).
(٥) "فالبيع فاسد" في (ب).
(٦) كذا في هامش (أ) وهي في (ب).
(٧) ينظر: بدائع الصنائع (٥/ ١٥٦) تبيين الحقائق (٤/ ٥٨)، العناية (٦/ ٢٩٣).
(٨) "قيل" في (ب).
(٩) قال في الاختيار: "والأصل أن ما جاز بيعه ابتداء يجوز استثناؤه، كبيع صبرة إلا قفيزاً، وقفيز من صبرة، بخلاف الحمل وأطراف الحيوان، حيث لا يجوز استثناؤه؛ لأنه لا يجوز بيعه ابتداءً" الاختيار لتعليل المختار (٢/ ٧).
(١٠) الخصائل في الفروع لنجم الدين: عمر بن محمد النسفي، الحنفي. المتوفى: سنة ٥٣٧، سبع وثلاثين وخمسمائة.
وهو كتاب كبير. والخصائل جمع خصلة، وهي القطعة الكبيرة من اللحم، كما في القاموس. كشف الظنون (١/ ٧٠٦).