للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وزفر لا يقول بالاقتضاء (١).

فإن قيل: تحت هذا التقرير فساد عظيم ينقض قاعدة من قواعد أصول الفقه فإنه جعل هنا خيار العاقد الذي هو الأصل ثابتاً بطريق الاقتضاء، وقد عرف أن من شرط صحة المقتضي أن يكون هو أحط رتبة وأدون (٢) منْزلة من المقتضى الذي هو المذكور.

وعن هذا قلنا: لم تثبت الحرية للعبد الحانث في يمينه في قول المولى له: كفِرّ يمينك بالمال، وإن كانت صحة التكفير مقتضية للحرية سابقاً على التكفير بالمال؛ إذ لا يصح هو بدون الحرية لما أن الحرية أصل وأقوى منْزلة من تصرف التكفير، فلم تثبت الحرية لذلك بطريق الاقتضاء؟.

قلنا: نعم كذلك، إلا أن الأصالة قد تثبت لغير العاقد هنا بوجه آخر، فاستوى مع العاقد في الأصالة، فلذلك جاز أن يثبت خيار العاقد اقتضاء، وذلك أن شرط الخيار من قبيل الألفاظ، بحيث لا يثبت بدون اللفظ، وغير العاقد أصل في هذا في حق اللفظ؛ لأنه أثبت له الخيار باللفظ/ قصداً، وأما الحرية فليست من خواص اللفظ؛ إذ الحرية تثبت في شراء القريب وإرثه بدون اللفظ، فكانت الحرية خالية من جهة التبعية، فلا تثبت في ضمن ما هو تبع لها، وهو التكفير، وأما ههنا فالعاقد تبع لغير العاقد في اشتراط الخيار (٣) في حق اللفظ، فيثبت بطريق الاقتضاء.

(يعتبر تصرف العاقد)

أي: سواء كان فسخاً أو إجارة.

(في رواية)

أي: في رواية كتاب بيوع المبسوط.

(وتصرف الفسخ)

[أي: ويعتبر تصرف الفسخ] (٤)، سواء كان ذلك الفسخ من العاقد أو من غير العاقد.

(في أخرى)

في رواية أخرى، وهي رواية ما دون المبسوط.

(وجه الأول: أن تصرف العاقد أولى)

لأن الصادر عن بيانه لا يصلح معارضاً للصادر عن أصالة (٥).

فإن قيل: هذا يشكل بما إذا وكل الرجل رجلاً بأن يطلِّق امرأته بالسنة، فطلقها الوكيل والموكل، وخرج الكلامان معاً، فالواقع طلاق أحدهما لا طلاق الموكل عيناً (٦).


(١) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ١٩).
(٢) الدون: الخسيس، زيد دونك. ودون: ظرف، ونعت، لا يشتق منه فعل، وهذا أدون ذاك. ويكون دون بمعنى غير، وبمعنى فوق، وتحت. المحيط في اللغة (٩/ ٣٥٩).
(٣) "له" كذا في (ب).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(٥) "أصله" في (ب).
(٦) وخالف هذا ابن الهمام فقال: "والتصرف الصادر عن أصالة أقوى من التصرف الصادر عن نيابة، واستشكل بما إذا وكل رجلاً آخر بطلاق امرأته، فطلقاها معاً فالواقع طلاق أحدهما، لا طلاق الموكل عيناً، ولو كان المرجح الأصيل تعين طلاقه. " فتح القدير (٦/ ٣٢٢).