للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما صورة الإسقاط قصداً فهي أن الوكيل بالقبض إذا قبضه مستوراً، ثم رآه فأسقط الخيار قصداً لا يسقط الخيار" (١).

تام وهو أن يقبض وهو يراه (٢)، وإنما سمي هذا النوع من القبض تاماً لمسألتين:

إحداهما: أن خيار الرؤية يبطل بمثل هذا القبض، [وبقاء خيار الرؤية يمنع تمام القبض، فلما بطل خيار الرؤية بهذا القبض] (٣) علمنا أن هذا القبض تام.

والثانية: أن تفريق الصفقة بعد هذا القبض جائز، بأن يشتري شيئين وقبضهما وهو يراهما، ثم وجد بأحدهما عيباً، فلو رده خاصة يجوز، ولا يلزم تفريق الصفقة، بخلاف ما إذا قبضها مستورين ثم وجد بأحدهما عيباً لا يرده خاصة، بل يردهما لو أراد كما قبل القبض.

(ولا يتم مع بقاء خيار الرؤية)

أي: ولا يتم القبض مع بقاء خيار الرؤية؛ لأنه لو تم القبض مع بقائه لقدر على تفريق الصفقة فلا نقدر كما بيَّنا.

(والموكل ملكه بنوعيه، فكذا الوكيل)

أي: ملك القبض بنوعيه من التام والناقص، فكذا الوكيل؛ لأنه قائم مقامه.

فإن قلت: هذا الوكيل لم يقم مقام موكله في مسألتين في هذا، فيجب أن لا يقوم مقامه في النظر عند القبض، وإن كان القبض تاماً.

وأما المسألتان فأحدهما: أن الوكيل لو رأى قبل القبض لم يسقط بالخيار، ولو قام مقام الموكل لسقط كالموكل نفسه لو رأى ولم يقبض، والمسألة في الأسرار (٤).

والثانية: أن الموكل لو قبضه مستوراً ولم يره ثم رآه بعد القبض فأبطل الخيار قصداً، يبطل خيار الرؤية، ولو قبضه الوكيل مستوراً ثم أبطل الخيار قصداً بعدما رآه لا يبطل، فلما لم يتم مقام الموكل في هاتين المسألتين وجب أن لا يقوم مقام الموكل فيما نحن فيه؛ لما أن كل واحدة من هذه المسائل الثلاث نظيرة الأخرى.

قلت: الأصل فيما نحن فيه، وهو أن الوكيل بالقبض لو قبضه وهو يراه إنما يبطل خيار الرؤية ضمناً لإتمام قبضه؛ لأنه وكله بالقبض، فوجب أن يكون قبضه تاماً، ولا يتم قبضه لو اختار الرؤية، فمن ضرورة إتمام القبض يبطل خيار الرؤية، فلذلك لم يملك إبطال الخيار قصداً وفيما ليست هذه الضرورة.

وذكر في الأسرار إنما يملك الوكيل إبطال الخيار بمقتضى ملكه تمام القبض فيتقدر بقدره، ولم يملك قصداً، كمن قال لآخر: اعتق عبدك عني على ألف درهم، فإن المأمور ملك البيع عنه بمقتضى الإعتاق عنه، فلذلك لو قال: أعتقت ثبت البيع، ولو قال: بعت مقصوداً بغير عتق لم يتم البيع، فلذلك قلنا في المسألة الأولى: لا يملك الوكيل الفسخ؛ لأنه لو لم يؤمر ولا الإجازة قبل القبض، وإن لم يوكل به وإنما وكل بالقبض التام ولا تمام ألا بسقوط الخيار برؤيته، فثبت ذلك بمقتضى ملكه تمام القبض فيتقدر بقدره؛ لأن الثابت في ضمن الشيء لا يثبت بدون ذلك الشيء، فكم من بيع يثبت ضمناً ولا يثبت قصداً، وكذلك في المسألة الثانية لما قبضه الوكيل مستوراً وجد القبض الناقص فاكتفى به؛ لضرورة وجود القبض، وإن كان ناقصاً كالبيع الفاسد بعد القبض في إثبات الملك قام مقام الصحيح وكالصلاة الناقصة بترك الواجبات ساهياً قائمة مقام الكاملة في الإجزاء عن الخروج عما وجب في ذمته من الفرض فلما اكتُفى به؟.


(١) شرح فتح القدير (٦/ ٣٤٦).
(٢) قال في الهداية: "وله: أن القبض نوعان: تام/ وهو أن يقبضه وهو يراه، وناقص، وهو أن يقبضه وهو مستور". الهداية (٦/ ٩٥٩).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(٤) الأسرار (١/ ٣٨٩).