للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: على قول أبي حنيفة -رحمه الله- إذا انقطع حق البائع في الاسترداد بالغرس والبناء فالشفيع يأخذها بالشفعة، وينقض البناء والغرس لحق الشفيع، فإذا وجب نقض البناء والغرس لحق الشفيع وفيه تقرير العقد الفاسد وجب نقضهما لحق البائع، [وفيه إعدام الفاسد بالطريق الأولى.

قلنا: لا يلزم من نقض البناء لحق الشفيع نقضه لحق البائع] (١)؛ لأن البائع جان (٢) والشفيع برئ عن الجناية؛ ولأن البائع سلطه على الغرس والبناء دون الشفيع.

فإن قيل: إذا نقض البناء والغرس على تقدير الأخذ بالشفعة يجب أن يعود حق البائع في الاسترداد لقيام المقتضى لولاية الاسترداد وزوال المانع منه وهو البناء، كما إذا باع المشتري شراءً فاسداً من إنسان بيعاً صحيحاً، ثم انتقض البيع بما هو نقض من كل وجه، يعود حق البائع في الاسترداد لزوال المانع (٣).

قلنا: المانع من الاسترداد يزول بعد ثبوت الملك للشفيع، وإنه مانع من الاسترداد أيضاً، ألا يرى أن المشتري لو باعها ينقض الشفيع البيع الثاني، ولم يقل هناك لما نقض البيع الثاني صار (٤) كأن البيع الثاني لم يكن فيجب أن يعود حق البائع في الاسترداد، بل لا يعود حق البائع في الاسترداد؛ لأن نقض البيع الثاني إنما كان لحق الشفيع ومقتضى التملك بالشفعة إنما كان بذلك البيع فلا يثبت على وجه يبطل به حق الشفيع؛ وذلك لأن النقض إنما وجب ضرورة إبقاء حق الشفيع، فصار النقض مقتضَى صحة التسليم إلى الشفيع، فلم يجز أن يثبت المقتضَى مناقضاً للمقتضِي وهو التسليم إلى الشفيع؛ ولأنه لم ينتقض إلا وحق الشفيع يخلفه، كذا ذكره فخر الإسلام (٥)، والمرغيناني (٦)، والتمرتاشي -رحمهم الله-[رواية عن أبي حنيفة -رحمه الله-] (٧)، " وشك يعقوب في حفظه الرواية لا في مذهب أبي حنيفة -رضي الله عنه- (٨) بأن حق البائع قد انقطع في الاسترداد بسبب البناء والغرس، والدليل على ذلك: ما نصه محمد -رحمه الله- على الاختلاف في الشفعة فيه (٩)، فعند أبي حنيفة -رحمه الله- للشفيع الشفعة في هذه الدار التي اشتراها المشتري شراءً فاسداً، وبنى فيها أو غرس، وعندهما لا شفعة للشفيع فيها، فاستحقاق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع في الاسترداد، وعدم استحقاق الشفعة مبني على بقاء حق البائع في الاسترداد؛ وذلك لأنه لا شفعة في البيع الفاسد ما دام حق الاسترداد باقياً؛ كيلا يؤدي إلى تقرير الفساد، ولما لم يشك في مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- في حق ولاية طلب الشفعة للشفيع في هذهِ الدار التي اشتراها المشتري شراءً فاسداً، وبنى فيها أو غرس وجب أن لا يشك في مذهبه أيضاً في أن حق البائع قد انقطع عن الاسترداد ببناء المشتري فيها أو بغرس الأشجار فيها، ولما انقطع حقه عن الاسترداد، وجبت القيمة على المشتري" إلى هذا أشار شيخ الإسلام رحمه الله- في المبسوط (١٠)، فعلى هذا كان قوله:


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(٢) "خان" في (ب).
(٣) "لمانع من الاسترداد لزوال المانع" زيادة في (ج).
(٤) سقط من (ب) وهي في هامشه.
(٥) ينظر: فتح القدير (٦/ ٤٣٣).
(٦) الهداية (٣/ ٩٨٨).
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(٨) سقطتا من (ب).
(٩) قال محمد: " وأما شك يعقوب في الرواية يريد به أنه سمع منه أم لا وحتى أبطل مشايخنا الاختلاف، لكن ذكر في كتاب الشفعة في غير موضع من غير شك" الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٣٣٢).
(١٠) العناية شرح الهداية (٦/ ٤٧٢)، شرح فتح القدير (٦/ ٤٣٢).