للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا أنا نقول في الكتابة: أن البدل في الكتابة معقود به لا معقود عليه، والقدرة على تسليم المعقود [عليه] ليست بشرط لجواز العقد كالثمن في البيع.

فأما المسلم فيه فمعقود عليه، والقدرة على تسليم المعقود عليه شرط (١) لجواز العقد كما في بيع العين، ولأن الكتابة إرفاق، فالظاهر أن المولى لا يضيق عليه في المطالبة بالبدل.

وأما السلم فعقد تجارة، وهو مبني على الضيق، فالظاهر أنه يطالبه بالتسليم بمقدار عقيب العقد، وهو عاجز عن ذلك، فلهذا لم يجوّزه إلا مؤجلاً، كذا في المبسوط والأسرار (٢).

الحاجة نقص يرتفع بالمطلوب وينجبر به.

يقال: أفلس الرجل أي صار مفلساً (٣)، كأنما صارت دراهمه فلوساً كما يقال: أخبث الرجل إذا صار أصحابه (٤) خبثاً.

ويجوز أن يراد به أنه صار إلى حال يقال فيها: ليس معه فلس، كما يقال: أقهر الرجل أي صار إلى حال يقهر عليها.

والمفاليس جمع المفلس على الوجهين.

ولأنه شرع رخصة دفعًا لحاجة المفاليس، فلا بد من الأجل ليقدر على التحصيل فيه.

فإن قلت: لو كان (٥) شرعية عقد السلم دفعًا لحاجة المفاليس لاختصت (٦) بحالة الإفلاس وليس كذلك، ألا ترى أنه يجوز بيع الحنطة سليمًا (٧) وعنده إكرار حنطة.

قلت: أن الشيء لا يباع سليمًا (٨) إلا بأدنى الثمنين، والعاجز (٩) لا يبيع إلا للربح، فدل البيع بأدنى الثمنين على أنه لا يبيع إلا للعجز (١٠) عن الربح، ولا عجز إلا بأن يجعل ما عنده مستغرقاً لحاجته، ولأن حقيقة العدم أمر باطن لا يمكن الوقوف عليه حقيقة، والشرع بنى هذه الرخصة على العدم، فيبنى على السبب الظاهر الدال على العدم؛ ليمكننا تعليق الحكم به والبيع بالخسران دليل على العدم، وهذا كما علق رخصة المسافر بالمشقة، وهي أمر باطن في الإنسان، فأقام الشرع السبب الظاهر المشير للمشقة من السفر مقام حقيقة المشقة، وإن لم يكن في السفر (١١) مشقة أصلاً، فإن السلطان إذا تنزه من بستان إلى بستان، ومقصده مسيرة تصرفاته يترخص برخص المسافر (١٢)، وكذلك النكاح الظاهر أقيم مقام الماء الباطن في باب النسب (١٣)، ونظائره كثيرة، ولهذا المعنى وهو معنى العدم، والله أعلم.


(١) في (ت): شرطا.
(٢) المبسوط (١٢/ ١٢٦).
(٣) المُفْلِس: هو من لم يبقَ له مالٌ ويقابله المَليُّ والغَنيُّ. والمُفَلَّسُ: هو المحكومُ بإفلاسه من جهة القاضي. التعريفات الفقهية (١/ ٢١٣).
(٤) في (ت): أهله.
(٥) في (ت): كانت.
(٦) في (ت): لاختص.
(٧) في (ت): سلما.
(٨) في (ت): سلما.
(٩) في (ت): التاجر.
(١٠) في (ت): لعجز.
(١١) في (ت): سفره.
(١٢) في (ت): المسافرين.
(١٣) في (ت): السبب.