للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذلك لو قابل جنسين بجنسين كما في مسألة الكتاب، بأن باع درهمين وديناراً بدينارين ودرهم صح العقد، ويجعل كل جنس بمقابلة الجنس الآخر، وهذا مذهبنا.

وقال الشافعي -رحمه الله-: البيع باطل في جميع ذلك؛ لأن مطلق المقابلة يقتضي أن يكون بطريق الشيوع، وهو أن يكون لكل واحد من البدلين حظ من جملة الآخر.

وذكر في الذخيرة (١): الأصل في جنس هذه المسائل أن الأموال الربوية يصرف الجنس إلى الجنس في المبادلات، إذا لم يكن في صرف الجنس إلى الجنس فساد المبادلة، وإن كان في صرف الجنس إلى الجنس فساد المبادلة يصرف الجنس إلى خلاف الجنس، وإنما وجب صرف الجنس إلى الجنس عند جواز العقد بالنص، وهو قوله -عليه السلام-: «الذهب بالذهب، مثل بمثل، والفضة بالفضة، مثل بمثل» (٢)، فقد جعل الجنس بالجنس حالة المماثلة، وحال المماثلة في الأموال الربوية حالة جواز العقد، ونوع من المعنى يدل عليه أنا لو صرفنا الجنس إلى خلاف الجنس احتجنا إلى التقويم بآرائنا واجتهادنا، وإذا صرفنا الجنس إلى الجنس استغنينا عن الاجتهاد فإنه لا مزية لأحدهما على الآخر في المالية؛ لأن المالية تنشأ عن الذات، فإذا استويا في الذات استويا في القيمة من حيث القطع.

وإنما وجب صرف الجنس إلى الجنس إلى خلاف الجنس إذا كان في صرف الجنس إلى الجنس فساد المبادلة؛ لأن صرف الجنس إلى الجنس إذا لم يكن فيه فساد العقد بالنص، ولا نص فيما إذا كان في صرف الجنس إلى الجنس فساد العقد فيطلب له دليل آخر، وقد وجد دليل آخر يوجب صرف الجنس إلى خلاف الجنس، وهو ظاهر عقلهما ودينهما؛ لأن الظاهر من حال العاقل المتدين مباشرة الجائز من العقود دون الفاسد، والجواز ههنا في صرف الجنس إلى خلاف الجنس.

وفيه تغيير وصفه لا أصله، أي وفيما قلنا من مقابلة الفرد بالفرد تغيير وصف العقد؛ لما أن وصف العقد يقتضي الانقسام بالشيوع، كما قاله الخصم؛ لأنه قابل الجملة بالجملة، وذلك يقتضي الانقسام بالشيوع، لكن في الانقسام بالشيوع تغيير أصل العقد؛ لأن أصل العقد الصحيح يثبت الملك قبل القبض، فلو قلنا بالانقسام بالشيوع يفسد العقد ولا يثبت الملك قبل القبض، وكان تغييراً لأصل العقد بسبب ** وصف العقد، وفيما قلنا وهو مقابلة الفرد بالفرد إبقاء لأصل العقد على قضيته، وهو ثبوت الملك في الكل قبل القبض، مع تغيير الوصف كما قلنا، فكان هو أهون التغييرين، فكان أولى.


(١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ٢٤٤).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالفضة (٢١٧٧)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب الربا (١٥٨٤).