للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«منها الشَّهادة/ في الزِنا يُعتَبَرُ فيها أربعةٌ من الرِّجال» (١).

ففي اشتراط الأربع يحتمل أن يكون المعنى فيه هو أنَّ الزِّنا فعلٌ يتحقَّق باثنين، وهو ما يندرئ بالشُّبهات، فاشتراط الأربعة لا الخمسة لا الثَّلاثة ليكونا على كل واحدٍ من الزانيين شاهدان، كما في سائر المواضع؛ إلَّا أنَّه اشترط اجتماع الأربعة هاهنا لقَبُول الشَّهادة تحقيقاً لجانب السَّتر.

وذكر في المبسوط: «ولا يشترط عدد الأربعة فيما سوى الزنا، العقوبات وغيرُ العقوبات في ذلك سواءٌ؛ وليس في ذلك معنى سِوَى أنَّ الله تعالى يحب السَّتر على عباده، ولا يرضى بإشاعة الفاحشة، ولذلك شَرَطَ في الزِّنا زيادة العدد في الشُّهود، ولهذا جعل النِّسبَة إلى هذه الفاحشة في الأجانب موجباً للحدِّ، وفي الزوجات موجباً للِّعان، بخلاف سائر الفواحش، ليستر العبادُ بعضُهم على بعضٍ.

وبيان ذلك في حديث ماعزٍ (٢) -رضي الله عنه- أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «هَلَّا سَتَرتَهُ بِثَوبِكَ» (٣).

وفي بعض الروايات: «بئس والي اليتيم أنت» (٤)» (٥).

والخليفتين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-؛ والدليل أنَّ المراد بالخليفتين أبي بكر وعمر صريحُ رواية الأسرار (٦) بذكرهما.


(١) قال في الهداية (٣/ ١١٦): «والشهادة على مراتب: منها الشهادة في الزنا يعتبر فيها أربعة من الرجال … ».
(٢) ماعز بن مَالِك الأسلمي، معدود فِي المدنيين، وكتب له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتابا بإسلام قومه، وَهُوَ الَّذِي اعترف على نفسه بالزنا تائباً منيباً، وَكَانَ محصناً فرجم، روى عَنهُ ابنه عَبد اللَّهِ بن ماعز حديثاً واحداً. يُنظر ترجمته في: الاستيعاب (٣/ ١٣٤٥)، أسد الغابة (٥/ ٦)، الإصابة (٥/ ٥٢١).
(٣) أخرجه: أحمد في المسند (٥/ ٢١٤)، رقم (٢١٩٤٣)، وأبو داود في سننه (٤/ ٢٣٣)، كتاب الحدود، باب في الستر على أهل الحدود، رقم (٤٣٧٩)، والحاكم في المستدرك (٤/ ٤٠٣) كتاب الحدود، رقم (٨٠٨٠)، و صحح إسناده، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الصحيحة (٧/ ١٣٥٦)، رقم (٣٤٦٠).
(٤) أخرجه: الحميدي في مسنده (١/ ٢٠١)، رقم (٨٩)، والبيهقي في السنن الكبرى (٨/ ٣٣١)، رقم (١٨٠٦٧)، وعبد الرزاق في المصنف (٧/ ٣٧٠)، رقم (١٣٥١٩)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٢٧٦): «فيه أبي ماجد الحنفي ضعيف».
(٥) المبسوط (١٦/ ١١٤).
(٦) هو كتاب الأسرار للإمام أبي زيد الدبوسي، المتوفى سنة ٤٣٠ هـ.
وهو أبو زيد عبد الله بن عمر بن عيسى الدّبوسيّ- نسبة إلى دبوسة، وهي بليدة بين بخارى وسمرقند- الفقيه، الحنفي، القاضي، العلامة، كان من كبار أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله ممن يضرب به المثل، وهو أوَّل من وضع علم الخلاف وأبرزه إلى الوجود، وله كتاب: «الأسرار» و «التقويم للأدلة» وغيره من التصانيف والتعاليق، كانت وفاته بمدينة بخارى سنة ٤٣٠ هـ،/.
يُنظر ترجمته في: وفيات الأعيان (٣/ ٤٨)، سير أعلام النبلاء (١٨/ ٥٢١)، الجواهر المضية (١/ ٣٣٩).