للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونقصان الضَّبط بزيادة النسيان جوابٌ عن قول الشَّافعي (١) بقوله:

«الأصل فيها عدم القَبُول؛ لنقصان العقل، واختلال الضبط»، فقال: «ذلك النقصان انجبر بضم الأُخرى إليها» (٢).

فإن قلتَ: هذا العدد في الجواب منقوضٌ بشهادتهنَّ في النِّكاح؛ فإنَّ اشتراط الشَّهادة في النكاح ليس لخوف النِّسيان، فإنَّ المقصودَ منه حضور من هو أهلٌ للشِّهادة وقت النِّكاح، ولا يتصور النسيان في الحضور بعدما حضر، فكان ينبغي أن ينعقد النِّكاح في شهادة رجلٍ وامرأةٍ واحدةٍ بحصول عدد الاثنين، والأمر عن خوف النسيان.

قلتُ: هذا إشكالٌ ذكره الإمام شمس الأئمة السَّرخسي (٣) - رحمه الله - في نكاح المبسوط، ثم قال: «ولكنَّا نقول قد ثبت بالنَّصِّ أنَّ المرأتين شاهدٌ واحدٌ، فكانت المرأة الواحدة نصف شاهد ونصف الشَّاهد لا يثبت شيئاً.

ولهذا لو شهد رجلانِ وامرأةٌ، ثم رجعوا؛ لم تضمَن المرأة شيئاً» (٤).

بخلاف ما لو شهد ثلاثة من الرِّجال، أو رجلان وامرأتان؛ فلم يبقى بعد ذلك إلا الشبهة؛ أي: شبهة البدليَّة، وتلك غير مانعة في النِّكاح والأموال.

وهذه الحقوق إشارة إلى ما ذكره بقوله: «مثل النكاح، والطلاق، والوكالة، والوصية» (٥).

تثبت مع الشُّبهات، أمَّا النِّكاح والطَّلاق فَظاهرٌ؛ لأنَّهما يثبتان مع الهَزلِ والإكراه، ولا يحتملان التراخي مع خيار الشَّرط بخلاف الأموال، حيث لا يثبت البيع والإجارة والمضاربة وغيرها مع الهزل؛ فلما تثبت هذه الأشياء، أعني: البيع وأمثاله بشهادة النِّساء عند اختلاط الرجال، مع أنَّها لا تثبت بالهزل؛ فلِأَن يثبت بشهادتهن النكاح والطلاق وهما يثبتان بالهزل بالطريق الأولى/ (٦).


(١) قال الشافعي/ في الأم (٦/ ٢٦٠): «وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَلَا مُنفَرِدَاتٍ إلَّا فِي مَوضِعَينِ أَن يَشهَدنَ عَلَى مَالٍ لَا غَيرِهِ مَعَ رَجُلٍ أَو يَشهَدنَ عَلَى مَا يَغِيبُ مِن أَمرِ النِّسَاءِ مُنفَرِدَاتٍ».
(٢) الهداية (٣/ ١١٧).
(٣) محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السَّرخسِي، صاحب المبسوط وغيره أحد الفحول الأئمة الكبار أصحاب الفنون، كان إماماً، علامةً، حجةً، متكلماً، فقيهاً، أصوليًّا، مناظراً، ينسب إلى سرخس، بلدة قديمة من بلاد خراسان، أخذ الفقه والأصول عن شمس الأئمة الحلواني، من تصانيفه: «المبسوط»، و «الأصول» المعروف بأصول السرخسي، و «شرح السير الكبير» في الفقه، توفي سنة ٤٨٣ هـ.
يُنظر ترجمته في: الجواهر المضية (٢/ ٢٨)، تاج التراجم (٢/ ٤٤)، الفوائد البهية (ص ١٥٨)، الأعلام (٦/ ٢٠٨).
(٤) المبسوط (٥/ ٣٣).
(٥) الهداية (٣/ ١١٧).
(٦) يُنظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٢٧)، البناية شرح الهداية (٩/ ١٠٨).