للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإلى هذا أشار بقوله: «إذ الأمر فيها بهذه اللفظة» (١)، فلما جاء الأمر بهذه اللفظة لا يجوز تبديلها بلفظٍ آخر.

فإن قيل: يُشكل على هذا لفظ التَّكبير، فإنَّه جاء في أمر التَّكبير بذلك اللفظ في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (٢)، ومع ذلك أجاز أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله- تبديله بلفظٍ آخر في معناه، نحو قوله: «الله أجل»، أو: «الله أعظم».

قلنا: الفرق بينهما ظاهرٌ، [لما] (٣) أنَّ التَّكبير للتَّعظيم.

وفي قوله: «الله أعظم» صريح التَّعظيم، وكان هو مثله من كل وجه، فيقوم مقامه لعدم التفاوت بينهما (٤).

وأمَّا لفظ الشَّهادة فيُبنَى عن المشاهدة لفظاً، ويذكر للقسم استعمالاً، فلما كان كذلك، فالحكم المعلَّق جوازه باللفظ الذي له زيادة وكادة في الأخبار، ولا يكون معلقاً جوازه بلفظ هو دونه؛ ولأنَّ قَبُولَ الشَّهادة في إلزام الحكم على القاضي يثبت بخلاف القياس، على ما ذكرنا في أوائل كتاب الشَّهادات، فيُراعى جميع ما ورد فيه النَّصُّ، ومن الذي ورد هو لفظ الشَّهادة فيراعى هو، وأمَّا لفظ التكبير للتعظيم، فهو موافق للقياس فيما فيه التعظيم، فيؤدِّي حكمه إلى موضع وُجد حكمه؛ فلذلك افترق، ولفظ الشَّهادة في شهادة النِّساء في الولادة وغيرها هو الصَّحيح هذا احتراز عن قول العراقيين؛ فإنهم لا يشترطون فيها لفظة الشَّهادة؛ فإنَّه ذكر الإمام التُّمُرتَاشيُّ (٥) / في قوله القابلة في مسألة الولادة، وهل يشترط لفظة الشَّهادة، ففي شرح بكر (٦) - رحمه الله - (٧)، قال مشايخ بلخ (٨)،


(١) الهداية (٣/ ١١٨).
(٢) سورة المدثر: آية ٣.
(٣) في «ج»: [إنما].
(٤) يُنظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١١٣).
(٥) هو أحمد بن إسماعيل بن محمد بن آيدغمش، أبو العباس، ظهير الدين ابن أبي ثابت التمرتاشي: عالم بالحديث، حنفي، كان مفتي خوارزم، نسبته إلى تمرتاش -من قراها- صنف: «شرح الجامع الصغير»، و «الفرائض»، و «التراويح»، توفي سنة ٦١١ هـ.
يُنظر: الجواهر المضية (١/ ٦١)، الفوائد البهية (ص ١٥)، كشف الظنون (١/ ١٢٢١)، الأعلام للزركلي (١/ ٩٧).
(٦) شرح بكر أو مبسوط البكري، للإمام أبي بكر محمد بن حسين المعروف بخواهر زاده البخاري (ت ٤٨٣ هـ)، مذكور في شراح أدب القاضي لأبي يوسف، ومبسوط محمد، وشرحه يسمى بمبسوط البكري. كشف الظنون (١/ ١٢٢٣).
وهو الإمام محمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر البخاري، المعروف ببكر خواهر زاده، أو خواهر زاده: فقيه، كان شيخ الحنفية فيما وراء النهر، قال السمعاني: كان إماماً، فاضلاً، حنفياً، وله طريقة حسنة مفيدة جمع فيها من كل فن له: «المبسوط»، و «المختصر»، و «التجنيس»، وهو ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري، ولهذا قيل له بالعجمي: خواهر زاده-وتفسيره ابن أخت عالم- مولده ووفاته في بخارى سنة ٤٨٣ هـ.
ترجمته في: الجواهر المضية (٢/ ٤٩)، الأعلام (٦/ ١٠٠)، معجم المؤلفين (٩/ ٢٥٣).
(٧) سقط من «ج».
(٨) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان ومن أجل مدنها وأشهرها ذكراً وأكثرها خيراً، خضعت بعد موت الإسكندر الكبير للحكم السلجوقي زمناً، ثم خرجت عليه وانضمت إلى فارس، وكانت مركزاً للثقافة اليونانية وسوقاً نشطاً للتجارة، تقع على الشاطئ الجنوبي لنهر جيحون، وهي اليوم من بلاد الأفغان، وينسب إليها عدد كبير من العلماء.
ينظر: مراصد الاطلاع (١/ ٢١٧)، التَّعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير (١/ ٣٣٢).