للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالظَّاهر ميل كل واحد منهما إلى صاحبه، وإيثاره على غيره، كما في الآباء والأولاد؛ بل أظهر، فإنَّ الإنسان قد يعادي والديه ليرضي زوجته، وقد تأخذ المرأة من مال أمها فتدفعه إلى زوجها، والزوج يُعد غنياً بمال الزوجة.

قيل في تأويل قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} (١)، أي: بمال خديجة (٢) -رضي الله عنها- (٣).

والدليل على أن الزَّوجيَّة بمنزلة الولاد حكماً استحقاق الإرث بها من غير حجب بمن هو أقرب.

يوضح ما قلنا أنَّ الزوجيَّة بمنزلة الأصل للولاد، فإنَّ الولاد ينشأ من الزوجية، والحكم الثابت في الفرع يثبت في الأصل، فإن عُدم ذلك المعنى فيه، ألا ترى أنَّ المحرم إذا كسر بيض الصَّيد يلزمه الجزاء، وليس في البيض معنى الصَّيدية، ولكنَّه أصل الصَّيد، فيثبت فيه من الحكم ما يثبت في الصَّيد، إلا أنَّ هذا الأصل إنَّما يلحق بالولاد في حكم يتصور قيام الزوجيَّة عند ثبوت ذلك الحكم دونه ما لا يتصور كالقصاص، فإنَّه يجب بعد القتل، ولا زوجية بعد قتل أحدهما صاحبه، فكان هذا جواباً عما تمسك الشافعي (٤) بجريان القصاص بينهما». كذا في المبسوط (٥) والأسرار.

ثم لو شهد أحد الزَّوجين للآخر في حادثة، فردَّ القاضي شهادته، ثم ارتفعت الزوجيَّة، فعاد تلك الشَّهادة في تلك الحادثة لا تقبل شهادته، وكذلك في الفاسق، بخلاف ما إذا شهد العبد في حادثة ورد القاضي شهادته، ثم أعتق وأعاد تلك الشَّهادة قبلت شهادته، وكذلك الصبي والكافر حكمهما كحكم العبد (٦).

والفرق أنَّ شهادة أحد الزوجين للآخر شهادة، وكذلك شهادة الفاسق؛ ولكن ردت شهادتهما لتهمة الكذب، والقاضي إذا ردَّ شهادة الشَّاهد صار الشَّاهد مُكَذَّباً من جهة الشرع فيما شهد به، وتكذيب الشَّرع ينزل منزلة التَّكذيب من حيث العيان.


(١) سورة الضحى: آية ٨.
(٢) هي السيدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى من أكابر قريش، وهي أم المؤمنين، زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأولى، تكبره بخمس عشرة سنة، وكان مولدها سنة ثمان وستين قبل هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كانت أول من أسلم من النساء والرجال على حد سواء؛ بل إنها أول من تلقى خبر الوحي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأولاد النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم منها، ما عدا إبراهيم بن مارية القبطية، توفيت رضي الله عنها بمكة سنة ثلاث قبل الهجرة.
ينظر: الاستيعاب (٤/ ١٨١٧)، سير أعلام النبلاء (٢/ ١٠٩)، الإصابة (٨/ ٩٩).
(٣) سقط من: «س».
(٤) ينظر: المهذب للشيرازي (٣/ ٤٤٧).
(٥) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٢٣).
(٦) ينظر: فتح القدير (٧/ ٤٠٦)، درر الحكام (٢/ ٣٧٩).