للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا إن أقام على جرح فيه إيجاب حق من حقوق العباد، أو إيجاب حق من حقوق الشَّرع، نحو إن أقام بينة أنَّهم زنوا، أو أنَّهم شربوا الخمر، أو أنَّهم سرقوا مني، أو أنَّهم شركاء في المشهود به، أو أنَّهم صالحوني على كذا من المال على أن لا يشهدوا علي، ودفعت ذلك إليهم، أو أنَّهم عبيد، أو محدودون في قذف، أو على إقرار المدَّعى أنَّه استأجرهم [هو] (١) على هذه الشَّهادة، أو على إقرارهم أنَّهم لم يحضروا ذلك المجلس الذي كان فيه هذا الأمر، قُبلت شهادتهم».

وإنَّما لم تُقبل الشَّهادة على الجرح المفرد عندنا لوجوهٍ ثلاثةٍ:

أحدها: أنَّها قامت على إبطال شهادة المدَّعى ونفيها، والشَّهادة على النفي باطلةٌ لأنَّ؛ الشَّهادة صارت حجَّة شرعاً، بخلاف القياس في الإثبات.

قال - صلى الله عليه وسلم -: «البيِّنة على المدعى واليمين على من أنكر» (٢)، جعل الجنس البيِّنة حجة المدَّعى، والمدَّعى مثبت، والشَّرع الوارد يجعلها حجَّة في الإثبات لا يكون وارداً في النَّفي، إمَّا لأنَّ النفي ضد الإثبات، أو لأنَّ النَّفي ثابت بغير دليل، أمَّا الإثبات/ لا بد له من دليل، وهذا بخلاف ما لو أقام بينة أن شهود المدَّعى محدودون في قذف؛ لأنَّ هذه شهادة قامت على إثبات قضاء القاضي، وقضاء القاضي حق الشَّرع، أو حق العباد، وبخلاف ما لو أقام بينة أن شهود المدَّعى عبيد؛ لأنَّه قامت على إثبات حق العبد وهو رق الشُّهود.

والوجه الثاني: وعليه الاعتماد، أنَّ الشَّاهد بالشَّهادة على الجرح المفرد صار فاسقاً؛ لأنَّه ألحق بفاعلها الوعيد الشَّديد في الدنيا والآخرة بنص القرآن؛ لأنَّه أظهر الفاحشة من غير ضرورة، وإظهار الفاحشة حرام بالنَّص، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} (٣).


(١) سقط من: «س».
(٢) أخرجه بهذا اللفظ: البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٢٥٢)، رقم (٢١٧٣٣)، قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: «حسن رواه البيهقي وغيره … وبعضه في الصحيحين»، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، ص (٢٩١).
والحديث في الصحيحين عن ابن عباس: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَضى بِاليَمِينِ عَلَى المدَّعَى عَلَيهِ».
أخرجه: البخاري في صحيحه (٣/ ١٧٨)، كتاب الشهادات، باب: اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود، رقم (٢٦٦٨)، ومسلم في صحيحه (٣/ ١٣٣٦)، كتاب الحدود، باب اليمين على المدعى عليه، رقم (١٧١١).
(٣) سورة النور، آية: ١٩.