للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر في بعض المواضع قول محمد كقول أبي يوسف وجه قول أبي حنيفة - رحمه الله - أنه وكَّل بما يملك مباشرته بنفسه، فإذا وقع الغلط أمكن التدارك والتلافي، فصح التَّوكيل كما في الأموال بخلاف استيفاء القصاص؛ فإنه إذا وقع [الغلط فيه] (١) لا يمكن التدارك والتلافي.

فأما إثبات القصاص كإثبات سائر الحقوق من حيث [إنه] (٢) إذا وقع الغلط فيه أمكن التدارك، وعلى هذا الخلاف إذا وكل المطلوب بالقصاص وكيلاً بالخصومة في دفع ما يطالب به، وكلام أبي حنيفة - رحمه الله - في هذا الفصل أظهر؛ لأنَّ دفع القصاص جائز بما يقوم مقام الغير ألا ترى أن الشهادة [على الشهادة] (٣) وشهادة النساء مع الرجال في العفو صحيحة؛ ولكن هذا الوكيل لو أقرَّ في مجلس القضاء بوجوب القصاص على موكله لم يصح إقراره استحساناً.

وفي القياس يصح؛ لأنه قام مقام الموكل بعد صحة التَّوكيل، ألا ترى أن في سائر الحقوق جعل إقراره كإقرار الموكل فكذلك في القصاص.

وفي الاستحسان يقول: إقرار الوكيل قائم مقام إقرار الموكل، والقصاص لا يستوفى بحجة قائمة مقام غيرها يوضحه أن حَملَنا التَّوكيل على الجواب؛ لأن جواب الخصم من الخصومة؛ ولكن هذا نوع من المجاز، فأما في الحقيقة فالإقرار ضد الخصومة، والمجاز، وإن اعتبر لقيام الدليل فالحقيقة تبقى شبهة، وفي الحقيقة الإقرار ضد الخصومة فيصير ذلك شبهة فيما تندريء بالشبهات دون ما يثبت مع الشبهات، وكذلك الخلاف في التَّوكيل بإثبات حد القذف، أو دفعه من جهة القاذف فأما التَّوكيل بإثبات المال في السَّرقة دون طلب الحد فمقبول بالاتفاق؛ لأن المقصود إثبات المال، والمال يثبت مع الشبهات، ألا ترى أن بالشَّهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال يثبت المال، فأما التَّوكيل بإثبات الحدِّ فهو على الخلاف الذي بيَّنا». هذا كله من المبسوط (٤).

«غير أن إقرار الوكيل غير مقبول عليه» (٥)، أي: على موكله بأن أقرَّ الوكيل فقال: نعم قتل موكلي ذلك المقتول الذي وقع الدعوى فيه.


(١) في «س»: [فيه الغلط].
(٢) سقط من: «س».
(٣) سقط من: «ج».
(٤) المبسوط (١٩/ ١٠٧)، وانظر النقل المتقدم من المبسوط.
(٥) المسألة بتمامها قال في الهداية (٣/ ١٣٦): « … ولأبي حنيفة/ أن الخصومة شرط محض لأن الوجوب مضاف إلى الجناية والظهور إلى الشهادة فيجري فيه التَّوكيل كما في سائر الحقوق، وعلى هذا الخلاف التَّوكيل بالجواب من جانب من عليه الحد والقصاص، وكلام أبي حنيفة/ فيه أظهر؛ لأنَّ الشبهة لا تمنع الدفع، غير أن إقرار الوكيل غير مقبول عليه لما فيه من شبهة عدم الأمر به».