للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا علم القاضي أن الموكل عاجز عن البيعة في الخصومة بنفسه يقبل منه التوكيل» (١).

وفي فتاوى العتَّابي (٢): التَّوكيل بغير رضا الخصم لا يجوز؛ معناه لا يجبر خصمه على قبول الوكالة، وعندهما يجبر، وهو المختار، والشَّريف، وغيره سواء (٣).

«ولا خلاف في الجواز إنما الاختلاف في اللزوم» (٤) يعني: هل ترتد الوكالة برد الخصم، أم لا؟

عنده [ترتد] (٥) وعندهما لا [ترتد] (٦) (٧).

فعلى هذا التأويل كان المراد من قوله في أول المسألة؛ «قال أبو حنيفة - رحمه الله - (٨) لا يجوز التَّوكيل بالخصومة إلا برضا الخصم»، أي: لا يلزم ذكر الجواز، وأراد اللزوم؛ لأنَّ الجواز من لوازم اللزوم، فيجوز ذكر اللازم وإرادة الملزوم كما في قوله الزكاة واجبة؛ أي: فريضة؛ لكن الوجوب يلازم الفريضة، فأريد بالوجوب الفرض، فكذا هنا.

«لهما [أن] (٩) التَّوكيل تصرف في خالص حقه» (١٠) هاهنا مضمر؛ أي: التَّوكيل من الموكل تصرف لاستدعاء الضَّمير في حقِّه إياه.

«وإنَّما قلنا: التَّوكيل من الموكل تصرف في خالص حقه فيكون صحيحاً بغير رضا الخصم كالتوكيل بالقبض، والإيفاء، والتقاضي، وذلك لأنَّه وكَّله بالجواب، أو بالخصومة والخصومة من خالص حق الموكل، وكذلك الجواب؛ لأنه إنما يوكله بجواب هو إنكار، والإنكار خالص حق الموكل؛ لأنَّه يدفع به الخصم عن نفسه فعرفنا أنه إنما وكَّله بما هو من خالص حقه.

وأبو حنيفة -رضي الله عنه- يقول: هو بهذا التَّوكيل قصد الإضرار بخصمه فيما هو مستحق عليه، فلا يملكه إلا برضاه كالحوالة.

ومعنى هذا الكلام أنَّ الحضور، والجواب مستحق عليه بدليل أن القاضي يقطعه عن اشغاله، ويحضره ليجيب خصمه، والنَّاس يتفاوتون في هذا الجواب فرُبَّ إنكار هو أشد دفعاً للمدعي من إنكار، والظَّاهر أنَّ الموكل إنَّما يطلب من الوكيل ذلك الأشد؛ فإنَّ الناس إنما يقصدون بهذا التَّوكيل أن يشتغل الوكيل بالحيل والأباطيل؛ ليدفع حق الخصم عن الموكل، وفيه إضرار بالخصم، وأكثر ما في الباب أن يكون توكيله بما هو من خالص حقه.


(١) حاشية رد المحتار (٧/ ٢٨١).
(٢) هو كتاب الفتاوى المعروف بجامع جوامع الفقه، لأحمد بن محمد بن عمر العتابي البخاري، أبو نصر، أو أبو القاسم زين الدين، عالم بالفقه والتفسير، حنفي، من أهل بخارى ولد وتوفى بها، من كتبه «جوامع الفقه»، والتفسير، وشرح الجامع الكبير، وشرح الجامع الصغير، و (شرح الزيادات للشيباني، توفي سنة ٥٨٦ هـ.
ينظر: الجواهر المضية (١/ ١٠٣)، الفوائد البهية، ص (٦٣)، الأعلام (١/ ٢١٦)، كشف الظنون (١/ ٥٦٧).
(٣) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ٢٢٣)،
(٤) الهداية (٣/ ١٣٧).
(٥) في «س»: [ترد].
(٦) في «س»: [ترد].
(٧) ينظر: الجوهرة النيرة (١/ ٢٩٨)، البناية شرح الهداية (٩/ ٢٢٣).
(٨) سقط من: «س».
(٩) سقط من: «س».
(١٠) الهداية (٣/ ١٣٧).