للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنْ أَحْدَثَ الإمَامُ أَوْ الْمُقْتَدِي فِي صَلاةِ الْعِيدِ تَيَمَّمَ وَبَنَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -رحِمَهُ الله- وَقَالا: لا يَتَيَمَّمُ) لأنَّ اللاحِقَ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الإمَامِ فَلا يَخَافُ الْفَوْتَ.

وَلَهُ أَنَّ الْخَوْفَ بَاقٍ لأنَّهُ يَوْمُ زَحْمَةٍ فَيَعْتَرِيه عَارِضٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلاتَهُ، وَالْخِلافُ فِيمَا إذَا شَرَعَ بِالْوُضُوءِ، وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَبَنَى بِالاتِّفَاقِ، لأنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ يَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فِي صَلاتِهِ فَيَفْسُدُ. (وَلا يَتَيَمَّمُ لِلْجُمُعَةِ وَإِنْ خَافَ الْفَوْتَ لَوْ تَوَضَّأَ، فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ صَلاهَا وَإِلا صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا) لأنَّهَا تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ بِخِلافِ الْعِيدِ (وَكَذَا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ) لأنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ.

-قوله: (ولو شرع بالتيمم (١) تيمم وبنى بالاتفاق) وذكر في «فوائد الظهيرية» (٢): فإن كان شروعه بالتيمم فسبق الحدث تيمم وبنى عند أبي حنيفة-رحمه الله-بلا إشكال، وأما على قولهما [فاختلف] (٣) المتأخرون:

قال بعضهم: يتيمم ويبني كما هو قول أبي حنيفة-رحمه الله-؛ لأنه لا يمكنه التوضي [للبناء] (٤) [لما فيه] (٥) من بناء القوي على الضعيف كما إذا وجد الماء في خلال الصلاة يستأنفها ولا يبني عليها.

وقال بعضهم: لا، بل يتوضأ ويبني.

ويجوز أن يكون ابتداء الصلاة بالتيمم والبناء بالوضوء كما قلنا في جنب معه من الماء قدر ما [يكفي] (٦) لوضوئه فإنه يتيمم ويصلي، فإذا تيمم وتحرَّم للصلاة ثم سبقه الحدث يتوضأ بذلك الماء ويبني، فهذه صلاة ابتداؤها بالتيمم وانتهاؤها بالوضوء.

وقال (٧) -رحمه الله-: لكن هذا لا يقوى؛ لأنه ليس فيه بناء القوي على الضعيف إذ التيمم ها هنا أقوى من الوضوء؛ لأنه يزيل الجنابة والوضوء لا يزيلها فلا بد من معنى آخر [فنقول] (٨): الطهارة الحاصلة بالتيمم مثل الطهارة الحاصلة بالوضوء بدليل جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم عند أبي حنيفة وأبي يوسف (٩)، ويؤيد هذا ما ذكر القاضي الإمام فخر الدين (١٠) في فصل المسح من فتاواه: ماسح الخف إذا أحدث في صلاته فانصرف ليتوضأ ثم انقضت مدة من مسحه قبل أن يتوضأ كان له أن يتوضأ ويغسل رجليه ويبني على صلاته كالمصلي بالتيمم إذا أحدث في صلاته فانصرف، ثم وجد ماءً كان له أن يتوضأ ويبني على صلاته، والفرق بين هذا وبين ما إذا وجد المتيمم الماء في خلال صلاته حيث يستأنف الصلاة، وهنا لا يلزمه الاستئناف هو أن التيمم ينتقض بصفة الاستناد إلى ابتداء وجوده عند إصابة الماء؛ لأنه يصير محدثًا بالحدث السابق؛ إذ الإصابة ليست بحدث، ولأن القدرة على الأصل حال قيام الخلف قبل حصول المقصود بالخلف تبطل حكم الخلف، وفي مسألتنا لم ينتقض التيمم عند إصابة الماء بصفة الاستناد لانتقاضه بالحدث الطارئ على التيمم ولم يوجد القدرة على الأصل حال قيام الخلف قبل حصول المقصود بالخلف.


(١) أي: ولو شرع في صلاة العيد مع الإمام وهو متيمم.
(٢) سبق وهو -مخطوط-.
(٣) في (ب): «ما اختلف».
(٤) في (أ): «للنساء» والتصويب من (ب).
(٥) ساقط من (ب).
(٦) في (ب): «بلغ».
(٧) أي: أبو حنيفة:.
(٨) في (ب): «فيقول».
(٩) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (١/ ١٤٢)، المبسوط للسرخسي (١/ ٢١٥)، مجمع الأنهر (١/ ١١٢)، العناية شرع الهداية (١/ ٣٦٧).
(١٠) هو محمد بن علي بن عبد الكريم القاضي الإمام فخر الدين أبو الفضائل المصري ابن الأجل تاج الدين الكاتب، تفقه وبرع وكان من أذكياء زمانه، محاسنه جمة عزل نفسه من القضاء وتصدى للإفادة والإقراء. انظر: معجم المحدثين (ص: ٢٤٦).