للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«ولأبي حنيفة - رحمه الله - أنها تتعين في الوكالات ألا تري أنَّه لو قيد الوكالة بالعين منها … » إلى آخره؛ أي: الدَّراهم، والدنانير يتعينان في الوكالات.

«لكن هذا على قول بعض المشايخ بعد التسليم إلى الوكيل، وأما قبل التسليم إليه فلا يتعين في الوكالات أيضاً بالإجماع؛ لأنَّه ذكره في الذخيرة، وقال:

قال محمد - رحمه الله - في الزيادات: رجل قال لغيره اشتري لي بهذه الألف الدرهم جارية وأراه الدراهم فلم يسلمها إلى الوكيل حتى سرقت الدراهم، ثم اشترى الوكيل [جاريةً] (١) بألف درهم لزم الموكل.

ثم قال: والأصل أنَّ الدراهم والدنانير لا يتعينان في الوكالات قبل التسليم بلا خلاف؛ لأنَّ الوكالات وسيلة إلى الشراء فيعتبر بنفس الشراء، والدَّراهم، والدنانير لا يتعينان في الشراء قبل التسليم؛ فكذا فيما هو وسيلة إلى الشراء.

وأما بعد التسليم إلى الوكيل هل يتعين؟ اختلف المشايخ فيه:

بعضهم قالوا يتعين حتى تبطل الوكالة بهلاكها لما ذكرنا أنَّ الوكالة وسيلة إلى الشراء فيعتبر بنفس الشراء، والدراهم والدنانير يتعينان في الشراء بعد التسليم؛ فكذا فيما هو وسيلة إلى الشراء؛ ولأنَّ يد الوكيل يد أمانة، والدراهم، والدنانير يتعينان في الأمانات وعامتهم على أنها لا تتعين.

وفائدة النقد، والتسليم على قول عامة المشايخ شيئان:

أحدهما: يُوقَّت بقاء الوكالة ببقاء الدراهم المنقودة؛ فإن العُرف الظاهر فيما بين الناس أنَّ الموكل إذا دفع الدراهم إلى الوكيل يريد شراءه حال قيام الدراهم في يد الوكيل.

والثاني: قطع رجوع الوكيل [على] (٢) الموكل فيما وجب للوكيل على الموكل، ولهذا؛ لأن شراء الوكيل يوجب دينين ديناً للبائع على الوكيل، وديناً للوكيل على الموكل» (٣).

قلت: فلما كان كذلك أنهما لا يسلمان دعوى أبي حنيفة/ [بأن] (٤) الدراهم، والدنانير يتعينان في الوكالات.

والدليل على هذا ما ذكره في الذخير ة أيضاً في تعليلهما في هذه المسألة، فقال: هما يقولان بأن الدَّراهم والدنانير لا يتعينان في الوكالات كما لا يتعينان في الأشرية، ألا ترى أن من وكَّل رجلاً أن يشتري له بهذه الألف عبداً، أو جارية، وهلك الألف في يد الموكل لا تبطل الوكالة ولو تعلقت الوكالة بعينها لبطلت كما لو قال اشترِ لي بهذه الحنطة، أو بهذه العروض عبداً لي فهلك العرض، أو هلكت الحنطة في يد الموكل، فإذا لم تتعين الدراهم، والدَّنانير في الوكالات لغت الإضافة إليها، وعند عدم الإضافة الجواب كما قلنا فهاهنا كذلك.


(١) سقط من «س».
(٢) في «س»: [عن].
(٣) ينظر: فتح القدير (٨/ ٥٩)، وقد نقل النص بتمامه وعزاه للمصنف، وينظر: العناية شرح الهداية (٨/ ٦٠)، فقد نقل الكلام مختصراً.
(٤) في «ج»: [فإن].