للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: هذا على قولهما فأمّا على قول أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (١) يجوز كيف ما كان؛ لِأَنَّهُ وكيل بالبيع المطلق والوكيل بالبيع المطلق يملك [البيع] (٢) بما عزّ وهان عنده (٣).

وقيل: هذا قول الكل؛ لِأَنَّ فِي بيع المقايضة كل واحد من البدلين [مبيعٌ من وجه] (٤) ثمنٌ من وجه، فكان هذا توكيلاً بالشراء من وجه وبالبيع من وجه.

والغبن عند أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- إن كان يتحمل فِي التوكيل [بالبيع لا يتحمل فِي التوكيل] (٥) بالشراء (٦)، والأول أظهر لِأَنَّ الثمنية أصل فيهما وكل ببيعه والعبرة للأصل وباعتبار الأصل هذا بيع، وجعل القول بعدم الجواز فِي بيع المقايضة عند الغبن رواية الحسن-رحمه الله- (٧) عن أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله-[في المَبْسُوط (٨) فقال بعدما ذكر رواية الجواز ووجهها: روى الحسن عن أَبِي حَنِيفَةَ] (٩) فِي الوكيل بالبيع إِذَا باع بعرض فإن كان يساويه جاز وإلا فلا ثُمَّ قال: وجه هذه الرواية أنّه فِي جانب العرض مشترٍ والوكيل بالشراء لا يشتري للآمر بالمحاباة الفاحشة.

فإن قلت: أنّ كل واحد من عاقدي عقد المقايضة بائع بالنسبة إلى عرضه مشترٍ بالنسبة إلى عرض الآخر، وكذلك فِي بيع الصرف كل [واحد من عاقدي عقد الصرف بائع ومشترٍ لما أن بيع الصرف بيع والبيع لابدّ له من مبيع وثمن وليس أحدهما بأولى من الآخر فِي جعله مبيعًا أو ثمنًا فجعل كل واحد منهما مبيعا وثمنًا ثُمَّ الغبن الفاحش محتمل فِي بيع المقايضة فِي ظاهر الرواية (١٠) على قول أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- خلافاً لرواية الحسن -رحمه الله- على ما ذكرت من الذَّخِيرَةِ (١١) والمَبْسُوط (١٢) والغبن الفاحش غير محتمل فِي بيع الصرف] (١٣) فِي قول الكل باتفاق الروايات (١٤) فما وجه الفرق بينهما مع اتحادهما فِي العلة (١٥)، والمسألة فِي بَابِ الوكالة فِي الصرف من صرف المَبْسُوط (١٦) فقال فيه: وإن وكله بألف درهم يصرفها له فباعها بدنانير وحط عنه (بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) (١٧) لم يجز على الآمر وكذا فِي مختلفات المغني (١٨) أيضاً.


(١) قولهما: هما أبو يُوسُف ومُحَمَّد -رحمهما الله-. يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٢/ ١١١).
(٢) [ساقط] من (ب).
(٣) يُنْظَر: إيثار الإنصاف (ص: ٣١٦)
(٤) [ساقط] من (ج).
(٥) [ساقط] من (ج).
(٦) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٧/ ٤١٤).
(٧) الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفِي، أبو علي، قاض، فقيه، صاحب أَبِي حَنِيفَةَ، أخذ عنه وسمع منه، وكان عالما بمذهبه بالرأي، ولي القضاء بالكوفة سنة ١٩٤ هـ، ثم استعفى، واللؤلؤي نسبة إلى بيع اللؤلؤ (ت ٢٠٤ هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (٩/ ٥٤٣)، طبقات الفقهاء (١/ ١٣٦)، الوافِي بالوفيات (١٢/ ١٥).
(٨) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٦٧).
(٩) [ساقط] من (ج).
(١٠) وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب وهم: أبو حَنِيفَةَ وأبو يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى.
ويلحق بهم: زفر والحسن بن زياد وغيرهما ممن أخذ من أبي حَنِيفَةَ ويسمى هؤلاء: المتقدمين. ثم هذه المسألة التي سميت: مسائل الأصل وظاهر الرواية هي ما وجدت في كتب محمد التي هي: (المبسوط) و (الزيادات) و (الجامع الصغير) و (الكبير) و (السير). وإنما سميت بظاهر الرواية: لأنها رويت عن محمد برواية الثقات فهي: إما متواترة أو مشهورة عنه. يُنْظَر: كشف الظنون (٢/ ١٢٨٢).
(١١) يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (٢/ ١٠٨)، مجمع الأنهر (٢/ ٢٣٣).
(١٢) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٦٦).
(١٣) [ساقط] من (ج).
(١٤) يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (٩/ ٢٧٥)، قال الطحاوي: (والمقدار الذي يتغابن الناس فيه نصف العشر فأقل منه، هذا غير منصوص عنهم ولكن مذاهبهم تدل عليه). مختصر الطحاوي (ص ١١١).
(١٥) قال أبو المظفر السمعاني فِي تعريف العلة: وأمّا حد العلة: فقد قالوا: إنها الصفة الجالبة للحكم، وقيل إنها المعنى المثير للحكم. يُنْظَر: قواطع الأدلة فِي الأصول (٢/ ١٤٠).
(١٦) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٤/ ١١٢ - ١١٣).
(١٧) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ١٦٢).
(١٨) وهناك كتب سميت بالمغني في المذهب الحنفي وغيره، ولم يظهر لي أي كتاب قصد المصنف والأقرب لي أنه كتاب المغني في أصول الفقه للأمام جلال الدين عمر بن محمّد الخبَّازي (ت ٦٢٩ هـ) لأنه شرح كتاب الهداية شرح البداية للمرغيناني. (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْعَرَضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه) فتح القدير (١٨/ ١٠٢).