للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما شرعا: فيراد بها إضافة الشيء إلى نفسه في حالة مخصوصة وهي حالة المنازعة (١)؛ ولهذا قال -عليه السلام-: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (٢).

وَقِيلَ الْمُدَّعِي لُغَةً: مَنْ يَقْصِدُ إيجَابَ الحَقِّ عَلَى الْغَيْرِ. (٣)

إلَّا أَنَّ إطلاق اسْمَ الْمُدَّعِي فِي عُرْفِ اللسان يَتَنَاوَلُ من لَا حُجَّةَ له وَلَا يَتَنَاوَلُ من له حُجَّةٌ، فإن الْقَاضِيَ يُسَمِّيهِ مُدَّعِيًا قبل إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وأما بعد إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يُسَمِّيهِ مُحِقًّا لَا مُدَّعِيًا وَيُقَالُ لِمُسَيْلِمَةَ (٤) لَعْنَهُ اللَّه (٥) مُدَّعِي النُّبُوَّةِ وَلَا يُقَالُ رَسُول الله -عليه السلام- مُدَّعِي النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَهَا بِالْمُعْجِزَةِ فعرفنا أنَّ إِطْلَاق اسم المُدَّعِي على من لا حُجَةَ لَهُ عُرفاً.


(١) يُنْظَر: البحر الرائق (٧/ ١٩١)، مجمع الأنهر (٣/ ٣٤٣).
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الدعاوى والبينات، باب البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه، برقم (٢١٨٠٥)، (١٥/ ٣٩٣) عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم؛ ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر»، وأصله في الصحيحين بغير هذا اللفظ، أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ} [آل عمران: ٧٧]، برقم (٤٥٥٢)، (٨/ ٦١) عن ابن عباس-رضي الله عنهما- وفيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم … اليمينُ على المدَّعى عليه»، وعند مسلم، كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه، برقم (١٧١١)، (٣/ ١٣٣٦)، بلفظ: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه» حديث صحيح.
(٣) يُنْظَر: الكليات (١/ ٨٣).
(٤) مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، أبو ثمامة، مدعي النبوة، ولد ونشأ باليمامة، في نجد. عرف برحمن اليمامة، كتب مسليمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من مسيلمة رسول الله إلى مُحَمَّد رسول الله. سلام عليك، أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم يعتدون) فأجابه: (بسم الله الرحمن الرحيم: من مُحَمَّد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين)، قُتل في زمن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، سنة ١٢ هـ، يُنْظَر: الأعلام للزركلي (٢٢٦/ ٧).
(٥) اللعن: الطرد والإبعاد من رحمة الله، وهو على قسمين، الأول: اللعن بالوصف كلعن شارب الخمر، وآكل الربا، والسارق، فهذا جائز، عند أكثر أهل العلم، والثاني: لعن المعين، كأن يقول اللهم العن فلاناً، أو فلان عليه لعنة الله، فالأكثر على أنه لا يجوز، حتى لو كان كافرًا؛ لأنه قد يتوب، إلا إذا علمنا أنه مات على الكفر، وقيل يجوز قاله البلقيني شيخ ابن حجر، يُنْظَر: فتح الباري (٧٦/ ١٢)، فيض القدير (٧٣/ ١)، وشرح النووي على مسلم (١٨٥/ ١١)، الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (٢٩٢/ ٤).