للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسئل الشيخ الإمام عبد الواحد الشَّيْبَانِي (١) -رحمه الله- عن المرأة إذا كانت تعلم بالنكاح ولا تجد بينه تقيمها لإثبات النكاح والزوج ينكر ماذا يصنع القاضي حتى لا تبقى هذه المرأة معلّقة أبد الدهر قال: يستحلفه القاضي إن كانت هذه امرأة لك فهي طالق حتى يقع الطلاق باليمين إن كانت امرأة له لتتخلّص منه وتحل للأزواج (٢) وذكر الصَّدرُ الشَّهِيدُ -رحمه الله- في أدب القاضي في بَابِ اليمين أنَّ الفقيه أبا الليث (٣) -رحمه الله- أخذ بقولهما في هذه المسألة؛ لكثرة وقوعها (٤)، وهكذا في الواقعات (٥) أيضاً.

وكيفية الاستحلاف عندهما (٦) أن يحلف على الحاصل إن كانت المرأة هي المدعية بالله ما هذه المرأة امرأتك بهذا النكاح الذي ادّعته وإن كان الزوج هو المُدَّعِي [تحلف] (٧) بالله ما هذا زوجك على ما أدعى والمتأخرون من مشايخنا (٨) على أنَّه ينبغي للقاضي أن ينظر في حال الْمُدَّعَى عليه فإن رآه متعنتًا يحلّفه ويأخذ بقولهما، وإن رآه مظلومًا لا يحلفه أخذاً بقول أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (٩) وهو كما اختاره شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- (١٠) في التوكيل بالخصومة بغير محضر من الخصم أو بغير رضاه أن القاضي إن علم بالمدّعي التعنت في إباء التوكيل لا يمكنه من ذلك ويقبل التوكيل بغير محضر من الخصم، وإن علم بالموكل القصد إلى الإضرار بالمُدَّعِي في التوكيل لا يقبل ذلك إلا برضى الخصم حتى يكون دافعًا للضرر من الجانبين كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ (١١) والْمَحْبُوبِيّ (١٢) وفي الحدود لا يستحلف بالإجماع (١٣) إلا إذا تضمن حقاً بأن علق عتق عبده بالزنا وقال: إن زنيت فأنت حرّ فادّعى العبد أنه قد زنى ولا بيّنة له عليه يستحلف المولى حتّى إذا نكل ثبت العتق دون الزنى كذا ذكره الصدر الشهيد في أدّب القاضي (١٤)؛ لأنّه يدل على كونه كاذباً في الإنكار على ما قدّمناه إشارة إلى قوله: (إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعًا للضرر عن نفسه) (١٥) يعني أن النكول إقرار؛ لأن نكوله عن اليمين يدل على أنه كان كاذباً فيما أنكر لدعوى المدّعي قبل هذا؛ لأنه لو لم يكن كاذباً في ذلك الإنكار لما نكل عن اليمين الصادقة إذ فيه حصول الثواب له بإجراء ذكر اسم الله تعالى على لسانه بطريق التعظيم ودفع تهمة الكذب عن نفسه لما أنّه واجب على كل مسلم أن يدفع تهمة الكذب عن نفسه وإبقاء ماله لنفسه على ما كان، وهذه الفوائد الثلاث [أي: حصول الثواب ودفع تهمة الكذب وإبقاء ماله لنفسه] (١٦) تحصل عند إقدامه على اليمين الصادقة عنده فالعاقل لا يفوت الفائدة الفذة عند إمكان تحصيلها فكيف يفوّت الثلاثة فعلم بهذا كله أنّه إنما نكل عن اليمين بسبب أنه لو حلف إنما يحلف كاذباً واليمين الكاذبة مهلكة لنفسه فكان نكوله صيانة لنفسه عن الإهلاك باليمين الكاذبة.


(١) عبدالواحد بن علوان بن عقيل بن قيس، الشيباني، البغدادي، أبو الفتح، الشيخ المسند، سمع أبا نصر أحمد بن محمد بن حسنون، وأبا القاسم الحرفي، وحدث عنه: قاضي المارستان، وولده عبد الباقي، وإسماعيل بن السمرقندي، كان مولده سنة ثلاث وأربعمائة (ت ٤٩١ هـ). يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (١٩/ ١٢٨).
(٢) يُنْظَر: لسان الحكام (١/ ٢٣٢)، نتائج الأفكار (٨/ ١٩٠).
(٣) نصر بن مُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبو جعفر الهندواني وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة (٣٧٣ هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (٣/ ٥٤٤)، تاج التراجم (٣١٠)، سير أعلام النبلاء (١٦/ ٣٢٢).
(٤) يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (٢/ ١٢٢)، شرح أدب القاضي (٢/ ١٢٥).
(٥) يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٤/ ٢٩٧ - ٢٩٨)، الفتاوى الهندي (٤/ ١٥).
(٦) هما أبو حَنِيفَةَ ومحمد، لأن أبي يوسف يرى التحليف على السبب.
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (٦/ ٣٦٢).
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٤/ ٢٩٧ - ٢٩٨)، البحر الرائق (٧/ ٢٠٨)، والفتاوى الهندية (٤/ ١٥).
(٩) يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (١/ ٣٦٨)، نتائج الأفكار (٨/ ٢٠٨).
(١٠) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٩/ ٨ - ٩).
(١١) تصحيف والصحيح شرح الجامع الصغير؛ لقاضي خان. يُنْظَر: فتاوى قَاضِي خَانْ (٢/ ٤٢٩).
(١٢) يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (١/ ٣٦٥).
(١٣) يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (٨/ ٢٠٦ - ٢٠٧)، الفتاوى الهندية (٤/ ١٨).
(١٤) يُنْظَر: شرح أدب القاضي (٢/ ١٤٧).
(١٥) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٧).
(١٦) [ساقط] من (ب).