للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البساط ولا يقضي في الدار، مع أن في (١) كل واحد منهما لا يثبت اليد بذلك التصرف فما الفرق بينهما؟ قلت: أما وجه القضاء في البساط عند دعواهما له بهذا الطريق فقد بينّاه. وهو: أن البساط إن لم يكن في أيديهما بقعودهما عليه أو بتعلق أحدهما به، ولكن علم القاضي حسًّا وعيانًا أنه ليس في يد غيرهما أيضًا، فكان بمنزلة عين ملقاة في الطريق يدعيها اثنان ولا يدعيها غيرهما، قضى القاضي بينهما؛ لانعدام مدعٍّ غيرهما عيانًا باليد أو بالملك. وأما في الدار: إن علم القاضي أنها ليست في أيديهما بجلوسهما فيها ولكن لم يعلم أنها ليست في يد غيرهما؛ لأن اليد على الدار إنما تثبت بالسُّكنى فيها أو بالاختطاط (٢). والقاضي إن علم أنه ليس أحد في الدار ساكن لكن لم يعلم زوال ثبوت يد الاختطاط عنها؛ لأن الدار بعد أن كانت في مكانها الذي يثبت يد المختطِّ فيه عليها لم يتحوَّل عن ذلك إلى مكان آخر فكانت يد المختط لها ثابتة على الدار حكمًا إلا أنه جهل صاحب اليد، وجهالة صاحب اليد لا تجوِّز القضاء لغيره. لما أن القاضي إنما يقضي بما وقع فيه الدعوى بين المتداعيين بحكم الدعوى إذا علم أن المدعى (٣) به ليس في يد غيرهما ولم يثبت هذا العلم في العقار وثبت في المنقول وعن هذا افترق بينهما، إلى هذا أشار في الذخيرة (٤).


(١) في (ب): في أن كل.
(٢) الخطّ والخطّة والاختطاط: الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك. وقد خطّها لنفسه خطّا، واختطها: وهو أن يعلم عليها علامة بالخط ليعلم أنه قد احتازها ليبنيها دارًا، والدار يختطها الرجل في أرض غير مملوكة ليتحجرها ويبني فيها، يُنْظَر: لسان العرب ٧/ ٢٨٨.
(٣) في (أ) و (ب): المدعا، والصواب: ما أثبته. وهو موافق للمحيط البرهاني ٩/ ١٠٨.
(٤) يُنْظَر: المحيط البرهاني ٩/ ١٠٨.