للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(باعها القاضي في دين) (وهذا عند أبي حنيفة (١) - رحمه الله- استحسانًا (٢) وهذا بالإجماع (٣) (٤) وإنما خصَّ أبا حنيفة؛ لأن الشُبهة (٥) تَرِد على قوله؛ لأنه كان لا يجوز بيع القاضي على المديون في العروض، فكان ينبغي ألا يجوز في النقدين أيضًا؛ لأن ذلك نوع بيع أيضًا، وهو بيع الصَّرف (٦).

(وجه الاستحسان: أنهما متحدان في الثمنين والمالية)، ولهذا يُضم أحدهما إلى الآخر في حكم الزكاة، (مختلفان في الصورة (٧) فإنهما مختلفان حقيقة وحكمًا؛ أما حقيقة فظاهر، وأما حكمًا فلأنه لا يجري بينهما ربا (٨) الفضل (٩)؛ لاختلافهما (فبالنظر إلى الاتحاد: يثبت للقاضي ولاية التصرف) (يوضحه أن من العلماء (١٠) من يقول: لصاحب الدين أن يأخذ أحد النقدين بالآخر من غير قضاء، ولا رضا، وهذا قول ابن أبي ليلى (١١) (١٢)، والقاضي مجتهد فجعلنا له ولاية الاجتهاد هنا في مبادلة أحد النقدين بالآخر لقضاء الدين منه، ولا يوجد هذا المعنى في سائر الأموال، وفيه إضرار بالمديون من حيث إبطال حقه عن عين ملكه، وللناس في الأعيان أغراض؛ ولا يجوز للقاضي أن ينظر لغرمائه على وجه يُلْحِق الضرر به فوق ما هو مستحق عليه، وهذا المعنى لا يوجد في النقود؛ لأن المقصود هناك المالية دون العين (١٣) كذا في «المبسوط» (١٤).


(١) انظر: الاختيار (٢/ ٩٨)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٢).
(٢) قال علاء الدين البخاري: (واختلف عبارات أصحابنا في تفسير الاستحسان الذي قال به أبو حنيفة- رحمه الله- قال بعضهم: هو العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه، وقال بعضهم: هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه، وعن الشيخ أبي الحسن الكرخي- رحمه الله-: أن الاستحسان هو أن يعدل الإنسان عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى.) كشف الأسرار (٤/ ٣).
(٣) الإجماع لغةً: أَجْمَعَ الْأَمْرَ إِذَا عَزَمَ عَلَيْهِ. مختار الصحاح مادة (ج م ع) (ص: ٦١)، وشرعًا: عبارة عن اتفاق المجتهدين من هذه الأمة في عصر على أمر من الأمور، فأريد بالاتفاق الاشتراك في الاعتقاد أو القول أو الفعل. انظر: كشف الأسرار (٣/ ٢٢٦)، ميزان الأصول: (٢/ ٧٠٩ - ٧١٠).
(٤) انظر: الاختيار (٢/ ٩٨)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٢).
(٥) الشُّبْهَةُ لُغَةً: الِالْتِبَاسُ. مختار الصحاح مادة (ش ب هـ) (ص: ١٦١)، واصطلاحًا: هو ما لم يتيقن كونه حرامًا أو حلالًا. التعريفات (ص: ١٢٤)، أنيس الفقهاء (ص: ١٠٥).
(٦) بيع الصَّرْفُ: صَرَفَ الدَّرَاهِمَ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وهو بيع الذهب بالفضة، والفضة بالذهب. انظر: المغرب مادة (ص ر ف) (ص: ٢٦٦)، المطلع (ص: ٢٨٦)، الكليات (ص: ٥٦٢).
(٧) في: أ (الضرورة) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (٣/ ٢٨٢).
(٨) الربا لغةً: الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ وَالْعُلُوُّ. تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو، إِذَا زَادَ. مقاييس اللغة مادة (ر ب ى/ أ) (٢/ ٤٨٣) وشرعًا: الزِّيَادَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ، وَقِيلَ الرِّبَا: عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِصِفَةٍ سَوَاءً كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً رِبًا وَلَا زِيَادَةَ فِيهِ. الاختيار (٢/ ٣٠)، الجوهرة النيرة (١/ ٢١٢).
(٩) ربا الفضل: فَضْلُ مَالٍ عَلَى الْمُقَدَّرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. تبيين الحقائق (٤/ ٨٥)، أنيس الفقهاء (ص: ٧٧).
(١٠) انظر: البناية شرح الهداية (١١/ ١١٨)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٢).
(١١) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، العلامة، الإمام، مفتي الكوفة وقاضيها، أبو عبد الرحمن الأنصاري، الكوفي، قال العجلي: كان فقيهًا، صاحب سنة، صدوقًا، جائز الحديث، وكان قارئًا للقرآن، عالمًا به، كان من أصحاب الرأي، تولى القضاء بالكوفة وأقام حاكمًا ثلاثًا وثلاثين سنة، ولي لبني أمية ثم لبني العباس وكان فقيهًا مفننًا، توفي ١٤٨ هـ. انظر: طبقات ابن سعد (٦/ ٣٥٨)، سير أعلام النبلاء (٦/ ٣١٠)، وفيات الأعيان (٤/ ١٧٩)، تاريخ الإسلام (٣/ ٩٦٧).
(١٢) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٤/ ١٦٥)، البناية شرح الهداية (١١/ ١١٨).
(١٣) الْعَيْنُ: هُوَ الْمَالُ الْعَتِيدُ الْحَاضِرُ. مقاييس اللغة (٤/ ٢٠٣)، لسان العرب (١٣/ ٣٠٥).
(١٤) للسرخسي (٢٤/ ١٦٥).