للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ (١) شِبْرٌ فِي شِبْرٍ): أَيْ: يَكُونُ شِبْرًا طُولًا، وَشِبْرًا عَرْضًا، فَكَأَنَّهُ قَدَّرَ ذَلِكَ بِبَاطِنِ الْخُفِّ، الْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ؛ مَا يَلِي الْأَرْضَ مِنْهُ، لِأَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ؛ الَّتِي لَهَا جُرْمٌ سَاقِطُ الاعْتِبَارِ، فِي حَقِّ الْخِفَافِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ، عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وآبي يُوسُفَ -رحمهما الله- (٢).

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ -رحمه الله-: وَبِالْمَسْحِ، إِنْ زَالَتِ الْعَيْنُ؛ لَا يَزُولُ الْأَثَرُ، وَالْأَثَرُ مَانِعٌ كَمَا فِي الثَّوْبِ (٣)، وَلَمَّا سَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ، فِي حَقِّ الْخُفِّ، وَبَاطِنِ الْخُفَّيْنِ؛ يَبْلُغُ شِبْرًا فِي شِبْرٍ، قُدِّرَ الْكَثِيرُ (٤) الْفَاحِشُ بِهِ.

كَمَا قَدَّرُوا الدِّرْهَمَ بِمَوْضِعِ الاسْتِنْجَاءِ؛ حَتَّى سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا عَلَى السَّبِيلِ مِنَ النَّجَاسَةِ، لِأَنَّ الْأَثَرَ يَبْقَى بَعْدَ الاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، فَكَذَا هَذَا قَدْرُ الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ/ بِبَاطِنِ الْخُفَّيْنِ، وَهُوَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ، وَمُحَمَّدٌ (٥) -رحمه الله- اعْتَبَرَ رُبْعَ الثَّوْبِ؛ نَظَراً إِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضاً، إِلَّا أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِ الْخُفَّيْنِ، وَظَاهِرِهِمَا، فَإِنَّ النَّجَاسَةَ تَتَلَطَّخُ يهما عَنْدَ امْتِلَاءِ الطَّرْفِ، بِالْأَرْوَاثِ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي " مَبْسُوطِهِ " (٦).


(١) وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة أيضًا. ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (١/ ٦٥)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ٨٠)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ١٩٣).
(٢) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٨٢).
(٣) أوضح ابن مازه هذا الكلام بقوله: (فإنه حكم بطهارته بالاستنجاء بالحجر، وإنه يزيل العين لا الأثر، والأثر مانع جواز الصلاة كالعين، فدل أن الشرع عفا عن النجاسة التي في موضع الحدث، وموضع الحدث يبلغ قدر الدرهم الكبير لكن استقبحوا ذكر موضع الحدث، فكنوا عنه بالدرهم، هكذا قاله إبراهيم النخعي -رحمه الله-. ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ١٩٣).
(٤) في (ب): (الكبير).
(٥) قال ابن مازة -رحمه الله-: (روى هشام عن محمد -رحمه الله- أنه قال: الكثير الفاحش مقدار باطن الخفين معًا، وان يستوعب القدمين). ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ١٩٣).
(٦) ينظر: "فوائد القُدُوري" ص: (١٥).