للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم ذكر في «المبسوط» (١)، وقال: «زعم بعضُ أصحابنا: أنَّ القياسَ يأبى ثبوت حَق الشفعة؛ لأنه يتملك على المشتري ملكًا صحيحًا بغير رضاه، وذلك لا يجوز، فإنَّه من نوع الأكل بالباطل، وتَأَيَّد هذا بقوله -عليه السلام-: «لَا يَحِلُّ مَالُ امرئٍ مُسلمٍ إلَّا بِطِيبةِ نَفْسٍ مِنْهُ» (٢).

ولأنه بالأخذِ يدفع الضَّرر عن نفسه على وجهٍ يُلحق الضَّرر بالمشتري في إبطال مُلكه، وليس لأحدٍ أن يَدفع الضرر عن نفسه بالإضرار لغيره (٣)، ولَكِنَّا تركنا هذا القياس بالأخبار المشهورة في الباب».

ثم قال: «والأصحُّ أن نقول: الشفعة أصلٌ في الشَّرع فلا يجوز أن يُقال: إنها مُستحسنة من القياس، بل هي ثابتةٌ على موافقة القياس، وقد دَلَّ (٤) على ثُبوتها الأحاديثُ المشهورةُ عن رسول الله -عليه السلام-، وعن الصحابة -رضي الله عنهم-؛ من ذلك: ما بدأ به محمدٌ الكتابَ (٥)، ورواه عن مِسْوَر بن مَخْرَمةَ (٦)، عن رَافعِ بن خَديج (٧)، أنَّ سَعْدَ بن مالك (٨) عَرَضَ بيتًا له على جارٍ له فقال: «خُذه بأربعمائة، أَمَا إني قد أُعطيت به ثماني مائة درهم، ولكن أُعْطِيكَه؛ لأني (٩) سمعتُ رسول الله -عليه السلام- يقول: «الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِه (١٠)» (١١).


(١) ينظر: المبسوط: ١٤/ ٩٠.
(٢) رواه الدارقطني في سننه: ٣/ ٤٢٤، كتاب البيوع، رقم الحديث: ٢٨٨٥، ٢٨٨٦ بنحوه، والبيهقي في «السنن الكبرى»: ٦/ ١٦٦، كتاب الغصب، باب من غصب لوحًا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارًا، رقم الحديث: ١١٥٤٥، بنحوه، وقال الألباني: صحيح. ينظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته: ٢/ ١٢٦٨.
(٣) في (ع): «بغيره».
(٤) في (ع): «نَصَّ».
(٥) هو محمد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، أبو عبد الله، مات في الري سنة ١٨٩ هـ، وكتابه: الأصل في الفروع، وهو المبسوط. ينظر: تاريخ بغداد: ٢/ ١٧٢، الجواهر المضية: ٢/ ٤٢، الأعلام للزركلي: ٦/ ٨٠، كشف الظنون: ١/ ٨١.
(٦) هو المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب الزهري بن عبد مناف بن زهرة بن قصي بن كلاب، له صحبة ورواية، وعداده في صغار الصحابة، كالنعمان بن بشير وابن الزبير، مات سنة ٧٣ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: ٣/ ٣٩٠ وما بعدها.
(٧) هو رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد الأنصاري الخزرجي المدني، صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، استُصغر يوم بدر، وشهد أُحُدًا والمشاهد، مات سنة ٧٤ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: ٣/ ١٨١ وما بعدها.
(٨) هو الصحابي أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج، أحد البدريين، وكان أحد الفقهاء المجتهدين، مات سنة ٧٤ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: ٥/ ١٦٨ وما بعدها.
(٩) في (ع): «فإني».
(١٠) السقب: القرب، يقال: سقبت الدار وأسقبت؛ إذا قربت. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: ٢/ ٣٧٧.
(١١) أخرجه البخاري في صحيحه: ٣/ ٨٧، كتاب الشفعة، باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، رقم الحديث: ٢٢٥٨.