للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْنَا: نَعَمْ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ حُرْمَةَ الفرس (١) عِنْدَهُ مَا كَانَتْ لِنَجَاسَتِهِ، بَلْ كَانَتْ إِبْقَاءً لِلظَّهْرِ، تَحَامِيًا عَنْ تَقْلِيلِ مَادَّةِ الْجِهَادِ، فَكَانَ الفرس؛ طَاهِرَ اللَّحْمِ عِنْدَهُ؛ حَتَّى أَنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ بِالاتِّفَاقِ (٢)، فَيَتَحَقَّقُ تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي بَوْلِهِ كَذَا فِي " الفوائد الظهيرية " (٣).

فَإِنْ قُلْتَ: التَّعَارُضُ؛ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا جُهِلَ التَّارِيخُ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ فِي حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ دَلَالَةَ التَّقَدُّمِ لِأَنَّ فِيهِ الْمُثْلَةَ، وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ، فَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْبَاقِي، قُلْتُ: الدَّلَالَةُ دُونَ الْعِبَارَةِ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَعَارُضٌ، فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْعِبَارَةِ، فَيَتَحَقَّقُ التَّعَارُضُ، أَوْ نَقُولُ انْتِسَاخُ الْمُثْلَةَ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِسَاخِ طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِسَاخِ أَحَدِهِمَا (٤) انْتِسَاخُ الْآخَرِ، كَمَا فِي صَوْمِ عَاشُورَاء (٥)، وَتَكْرَارِ صَلَاةِ الْجَنَازَةِ، عَلَى حَمْزَةَ (٦) (٧)،


(١) في (ب): (حرمة لحم الفرس).
(٢) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن سؤر ما أكل لحمه طاهر، ويجوز شربه والوضوء به). الإجماع لابن المنذر (ص: ٣٥).
(٣) وجدتُ نفس الكلام في"المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ١٣٠)، و" تبيين الحقائق للزيلعي " (١/ ٣١)، و" الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي " (١/ ٣٩)، و" درر الحكام شرح غرر الأحكام " لملا خسرو (١/ ٢٨٠)، و"البناية شرح الهداية للعيني " (١/ ٧٣٤)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري" (١/ ١٣٤)، "رد المحتار" لابن عابدين" (١/ ٢٢٢).
(٤) (انتساخ أحدهما)، ساقطة من (ب).
(٥) يشير إلي حديث معاوية بن ابي سفيان أنه سمع رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وأنا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ، فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ، فَلْيُفْطِرْ» أخرجه البخاري في "صحيحه" (١/ ٥٢٣) في كتاب "الصوم"، باب "صوم يوم عاشوراء" حديث رقم (١٩٥١)، ومسلم في "صحيحه" (ص ٤٣٨) في كتاب "الصيام"، باب "صوم يوم عاشوراء" حديث رقم (١١٢٩).
(٦) حمزة: هو حَمْزَة بن عَبْد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أَبُو يعلى، وقيل: أَبُو عمارة، وهو عم رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبى لهب، وكان حمزة، -رضي الله عنه- وأرضاه، أسن من رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بسنتين، وهو سيد الشهداء، وآخى رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين زيد بن حارثة، أسلم في السنة الثانية من المبعث، وكان مقتل حمزة للنصف من شوال من سنة ثلاث، وكان عمره سبعًا وخمسين سنة. انظر: "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير" (١/ ٥٢٨)، "سير أعلام النبلاء للذهبي " (١/ ١٧٣).
(٧) ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (٥/ ٥٠٥). وهو يشير إلي حديث الشعبي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e «صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً» أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ١٢) في كتاب "الجنائز"، باب " من زعم أن النبي e صلى على شهداء أحد"، وعبد الرزاق في "مصنفه" (٥/ ٢٧٧) في كتاب "الجهاد"، باب "الصلاة على الشهيد وغسله" حديث رقم (٩٥٩٩).
قال البيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ١٢): منقطع. كما أورد الزيلعي طرق هذا الحديث ثم ضعفها.
=ينظر: "نصب الراية للزيلعي" (٢/ ٢٠٩: ٢١٣).
قلت: يشير البيهقي إلي قول الشافعي: وقال بعض الناس يصلى عليهم ولا يغسلون واحتج بأن الشعبي روى أن حمزة صلي عليه سبعون صلاة فكان يؤتى بتسعة من القتلى حمزة عاشرهم، فيصلي عليهم ثم يرفعون وحمزة مكانه، ثم يؤتى بآخرين فيصلي عليهم وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة وإن كان عنى: كبر سبعين تكبيرة فنحن وهم نزعم أن التكبير على الجنائز أربع، فهي إذا كانت تسع صلوات: ست وثلاثون تكبيرة فمن أين جاءت أربع وثلاثون تكبيرة؟! هذا أولا. انظر: "الأم للشافعي" (٢/ ٥٩٧، ٥٩٦).
ثانيا: ولعل الوهم من عطاء فقد اتقاه البعض لأجل اختلاطه آخر عمره: إما لأنه كان يتلقن، قال العجلي: كان شيخًا ثقة قديمًا، كان يتلقن، ومن سمع منه قديمًا فهو صحيح الحديث، منهم سفيان الثوري فأما من سمع منه بآخرة فهو مضطرب الحديث، منهم هشيم وخالد بن عبد الله الواسطي، إلا أن عطاء بآخر حياته كان يتلقن إذا لقنوه في الحديث؛ لأنه غير صالح الكتاب. أو لاضطراب حفظه. تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني (٣/ ١٠٥).