للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله (١): كل ذلك يخلق الله [تعالى] (٢)، هذا الكلام في هذا المقام مستغنى عنه غير مفتقر إليه، لكن فيه تنبيه على أنه من أهل السنة والجماعة حيث جعل منفعة البقر التي يقام بها العمل مخلوقة لله تعالى خلافًا للمعتزلة.

وقال: فلم يتجانسا نتيجة لما قبله، وهو قوله: لأن منفعة الأرض قوة في طبعها، ومنفعة البقر صلاحية يقام بها العمل كانتا مختلفتين، فلذلك لم يتجانسا.

فتعذر أن تجعل تابعة لها، أي: تعذر جعل منفعة البقر تبعًا لمنفعة الأرض، فلما لم يجعل منفعة البقر تبعًا لمنفعة الأرض كان استحقاق منفعة البقر مقصودًا في المزارعة، وهو لا يجوز كما لو كان من أحدهما البقر لا غير والباقي من الآخر، وذلك لا يجوز بالاتفاق فكذا هنا.

وهنا وجهان آخران فاسدان:

أحدهما: أن يكون البذر لأحدهما والباقي من الآخر، وإنما لا يجوز هذا؛ لأن صاحب البذر مستأجر للأرض، ولابد (٣) من التخلية بين المستأجر وبين ما استأجر في عقد الإجارة، وتنعدم التخلية هاهنا؛ لأن الأرض تكون في يد العامل، فلهذا فسد العقد. كذا في «المبسوط» (٤).

والثاني: أن يجمع بين البذر والبقر بأن يكون البذر والبقر من أحدهما؛ لأنه لا يجوز عند الانفراد، أي: انفراد البقر والبذر بأن كان من أحدهما البقر لا غير أو البذر لا غير، والخارج في الوجهين لصاحب البذر، والوجهان ما ذكرهما، وأحدهما أن يكون البذر لأحدهما، [والبائع للآخر] (٥)، والباقي للآخر، والثاني أن يكون البذر والبقر لأحدهما، والباقي للآخر.

وذكر في «المبسوط» بعدما ذكر هذا فقال (٦): بقي الإشكال، وهو أنه أوجب لصاحب الأرض أجر مثل أرضه، ولم يسلم صاحب الأرض الأرض إلى صاحب البذر، فكيف يستوجب عليه أجر مثله.

ولكنا نقول: صارت منفعته، أي: منفعة العامل ومنفعة الأرض كلها مسلمة [مسألة] (٧) إلى صاحب البذر لسلامة الخارج له حكمًا، وكذلك إن لم تخرج الأرض شيئًا؛ لأن عمل العامل يأمر (٨) في إلقاء بذره، كعمله بنفسه فيستوجب أجر المثل عليه في الوجهين.

هذا الذي ذكره من الفساد فيما أراد دفع بذرًا إلى صاحب الأرض على أن يزرعه في أرضه على أن الخارج بينهما نصفان.

وأما إذا قال (٩): على أن الخارج لصاحب الأرض فهذا جائز، وصاحب الأرض معين له في العمل معين لأرضه؛ لأنه ما اشترط بإزاء (١٠) منافعه ومنافع أرضه عوضًا، فيكون متبرعًا بذلك كله.


(١) ينظر: البناية: ١١/ ٤٨٦.
(٢) ساقطة من: (ع).
(٣) في (ع): «لابد».
(٤) ينظر: المبسوط: ٢٣/ ١٩.
(٥) زيادة من: (ع).
(٦) ينظر: المبسوط: ٢٣/ ٢٤.
(٧) ساقطة من: (ع).
(٨) في (ع): «يأمره».
(٩) في (ع): «قالا».
(١٠) في (ع): «بأداء».