للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلو كانت القدرة ميسّرة لاشترط دوام القدرة، كما في الزكاة والعُشْرِ (١) والخَرَاجِ (٢)، {حيث} (٣) يسقط الزكاة بهلاك النصاب، [والعُشْرُ] (٤) بهلاك الخارج، {والخَرَاجُ} (٥) إذا اصطلم (٦) الزّرعَ آفةٌ (٧).

فإن قلت: لو كان وجوبها بالقدرة الممكنة لوجب على من يملك قيمة ما يصلح [للأضحية] (٨)؛ لأنّ ذلك أدنى ما يتمكّن به {المكلّف} (٩) من فعلها، ولَمَا اشترط النصاب، كمن أدرك الجزء الآخر من وقت الصّلاة ببلوغه أو بإسلامه، حيث تجب عليه الصّلاة.

قُلْتُ: اشتراط النصاب لا ينافي كونها ممكنة، كما في صدقة الفطر، فإن وجوبها بالقدرة الممكنة، ومع ذلك اشترط النصاب، وهذا؛ لأن السّبب وإن كان غير المال ولكن الشّرط المالُ، فبالنّظر إلى الشّرط صارت وظيفة ماليّة، فيُشتَرَطُ الغِنَى كما في صدقة الفطر (١٠).

والدّليل على هذا: صريح ما ذكره الإمام التمرتاشي (١١) في زكاة "الجامع الصّغير" (١٢) في تعليل المسألة، فقال: أن من ملك ما لا يبلغ قيمته مائتي درهم وهو فاضل عن حاجته الأصليّة غير معدّ للتجارة لا تجب الزّكاة، ولكن حرمت عليه الصدقة ووجب عليه صدقة [الفطر] (١٣) والأضحيّة ونفقة الأقارب، وعلَّل فقال: لأن ههنا، أيْ: في الزّكاة، الواجب من نما المال، وذلك لا يتصوّر بدون النامي، والواجب ثمة إغناء الفقير وإراقة الدّم، وهو يعتمد المكنة وذا بالمال الفارغ، والله أعلم (١٤)، وقد كنت كتبت هذا في مجموعٍ لي مفردٍ ولكن هذا خلاصة ذلك.


(١) العُشْرُ: الْجُزْءُ مِنْ أَجْزَاءِ العَشَرَة، وَالْجَمْعُ أَعْشَارٌ، وَمِنْهُ فِي الزَّكَاةِ قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: «وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» أخرجه البخاري برقم (١٣٨٦). يُنْظَر: الصحاح للجوهري (٢/ ٧٤٦)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (٢/ ٤١٠)، طِلْبَةُ الطَّلَبَة في الاصطلاحات الفقهية (ص ١٨).
(٢) الخَرَاجُ: مايحْصُلُ ويَخْرُجُ مِنْ غَلَّةِ الأَرْضِ أَوِ الغُلَامِ أَوِ الْعَيْنِ. وَمِنْهُ سُمِّيَ مَا يَأْخُذُ السُّلْطَانُ خَرَاجًا، فَيُقَالُ: أَدَّى فُلَانٌ خَرَاجَ أَرْضِهِ، وَأَدَّى أَهْلُ الذِّمَّةِ خَرَاجَ رُءُوسِهِمْ؛ يَعْنِي: الْجِزْيَةَ. يُنْظَر: الْمُغْرب في ترتيب الْمُعْرَب … (ص ١٥٦)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (١/ ١٦٦).
(٣) سقطت من (ب).
(٤) في (ب):) وفي العشر (.
(٥) سقطت من (ب).
(٦) اصْطَلَمَ: الاصْطِلَامُ الاسْتِئْصَالُ، اصْطُلِمَ الْقَوْمُ: إِذَا أُبِيْدُوْا. يُنْظَر: طِلبة الطلبة (ص ١٦٤)، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم للحِمْيَرِي (٦/ ٣٨١٦).
(٧) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٩/ ٥٠٥)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٣)، تكملة فتح القدير (٩/ ٥٠٧).
(٨) في (أ): (الْأُضْحِيَة (.
(٩) سقطت في (ب).
(١٠) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٩/ ٥٠٥)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٣)، تكملة الطوري على البحر الرائق (٨/ ١٩٨).
(١١) التُّمُرْتَاشِيُّ: أبو محمد، أحمد بن محمد آيدغمش التُّمُرتاشي الخوارزمي، ظهير الدين الحنفي، عالم بالحديث، نسبته إلى تمرتاش من قرى خوارزم، مفتي خوارزم، حوالَيْ سنة ٦٠٠ هـ، من تصانيفه: شرح الجامع الصغير، الفتاوى. يُنظَر: الجواهر المضيَّة في طبقات الحنفية (١/ ٦١)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٢٢١)، الأعلام للزركلي (١/ ٩٧)، معجم المؤلفين (١/ ١٦٧).
(١٢) الْجَامِعُ الصَّغِيْرُ: هو "شَرْحُ الْجَامِعُ الصَّغِيْرُ فِي الْفُرُوْعِ"، للتمرتاشي، شرح فيه "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن، وهو مخطوط في (شستربتي) بآيرلندا برقم (٥٢٠٣). يُنظَر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/ ٥٦٣)، الأعلام للزركلي (١/ ٩٧).
(١٣) في (أ):) الفطرة (.
(١٤) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٣/ ١٠٢)، فتاوى قاضيخان (٣/ ٢٢٩)، االجامع الصغير وشرحه النافع الكبير للكنوي (١/ ١٢٤).