للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: إرادة مطلق وقوع التضحية أفضل ممّن ضحّى، سواء كان المضحّى فقيرًا أو غنياً؛ لأنّ التضحية في حقهما أفضل من التصدّق، أمّا في حقّ الفقير فظاهر على ما نذكر، وأمّا في حق الغني فلمَّا كانت [الأضحية] (١) عليه واجبة كانت جهة الأفضلية فيها ثابتة أيضاً، وهذا كما لو [قلت] (٢): صوم رمضان في وقته أفضل من قضائه، لاشكّ في استقامة هذا اللّفظ، مع أنّ الصّوم على الصّحيحِ المقيمِ فرضٌ عينًا، وعلى المريض والمسافر ليس بفرضٍ عينًا أداؤه، بل الأفضل لهما الصّوم في وقته إذا لم [يتضرّرا] (٣) به زيادة ضرر يُخاف [منها] (٤)، لكن لما كانت جهة الأفضلية شاملة للفريقين من تركه استقام ذلك، فكذا هنا (٥).

ثم لما كانت الأضحيّة بطريق الأصالة على الغنى؛ علل المسألة بتعليل يستقيم في حقه، إعمالاً للأصل، ومثل هذا الذي ذكره [من] (٦) الرّواية مذكور في "المبسوط" أيضاً، {فقال} (٧): والأضحية أحب إليّ من التصدّق بمثل قيمتها، والمراد في أيّام النّحر؛ لأنّ الواجب التّقرب بإراقة الدَّمِ [ولا] (٨) يحصل ذلك بالتصدق (٩)، ثم قال: ففي حق الموْسِرِ الذي يلزمه ذلك لا إشكال أنه لا يجوز له التصدّق بقيمته؛ لأنّه لا قيمة لإراقة الدّم، وإقامة المتَقَوِّمِ مقام ما ليس بمتقوِّم لا يجوز، وإراقة الدّم خالص حق الله تعالى، ولا وجه للتّعليل فيما هو خالص حق الله تعالى (١٠).

وأمّا في حقّ الفقير فالتضحيّة أفضل؛ لِما فيه من الجمع بين التقرب بإراقة الدم والتصدّق؛ ولأنّه يتمكن من [التقرب] (١١) بالتصدّق في سائر الأوقات، ولا يتمكن من التقرب بإراقة الدّم إلا في هذه الأيّام؛ فكان أفضل (١٢).

(فنزلت منزلة الطّواف والصّلاة في حق الآفاقي (١٣) (١٤)، أي: الطّواف تطوّعًا أفضل من صلاة التطوّع في حق الآفاقي.


(١) في (ب): (التضحية).
(٢) في (ب): (قلنا).
(٣) في (ب): (يُتضرر).
(٤) في (أ): (ههنا).
(٥) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٩/ ٥١٣).
(٦) في (ب): (في).
(٧) سقطت من (ب).
(٨) في (أ): (فلا).
(٩) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٢/ ١٣).
(١٠) يُنْظَر: المرجع السابق.
(١١) في (أ): (التقربات).
(١٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٢/ ١٤).
(١٣) الْآفَاقِيّ: نِسْبَةً إِلَى الْآفَاقِ، جَمْعُ أُفُق، وَالْأُفُقُ: أَطْرَافُ الْأَرْضِ وَنَوَاحِيْهَا، وَالْآفَاقِيُّ: مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمَوَاقِيْتِ الْمَكَانِيَّةِ لِلْحَرَمِ. يُنْظَر: الْمُغِرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ٢٧)، النهاية لابن الأثير (١/ ٥٦)، معجم لغة الفقهاء (١/ ٣٦).
(١٤) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٤٦٨).