للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي "النّوادر" (١): عن أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- أنّها لا تصير واجبة بالشّراء بنية الأضحية موسرًا كان أو معسرًا، وذكر شيخ الإسلام/ أن المشتري إذا كان موسراً لا تصير واجبة بالشّراء بنيّة الأضحية باتّفاق الروايات، وإن كان معسرًا ففي ظاهر رواية أصحابنا تجب (٢)، وروى الزعفراني (٣) عن أصحابنا أنّها لا تجب (٤).

وأشار شمس الأئمة في شرحه إلى ما ذكره الزّعفراني، واتفقوا على أنها بمجرّد النية للأضحية لا تصير واجبًا، حتّى أنّ من كان له شاة فنوى أن يضحّي [بهذه] (٥) الشّاة ولم يذكر بلسانه شيئًا أنّها لا تصير واجبة للأضحية (٦)، ثمّ إذا وجبت عليه بإيجابه صريحًا أو بالشّراء بنيّة الأضحية إذا كان المشتري فقيرًا على قول من يقول به؛ فقيل {أن} (٧) يذبحها {و} (٨) يتصدق بعينها على المساكين، [فإن] (٩) تصدّق في أيّام النّحر فعليه مثلها مكانها؛ لأنّ الواجب عليه التضحية والإراقة؛ وإنما ينتقل إلى الصدقة إذا وقع اليأس عن التضحية بمُضِيِّ هذه الأيّام (١٠)، فقبل مُضِيِّ هذه الأيام تعينت الإراقة واجبةً، فإذا تصدّق بها فقد فوت ما وجب عليه فلزمه مثلها، وإن لم يشْتَرْ مثلها حتّى مضت أيّام النّحر تصدق بقيمتها لأنّه وقع اليأس عن التّضحية والإراقة؛/ {لأن الإراقة} (١١) إنما عُرفت قربة في زمان مخصوص فتسقط بمضيّ ذلك الزّمان كتكبيرات التّشريق والوقوف بعرفة وما أشبهه، [وانتقلت] (١٢) إلى الصدقة، ولا تجزئ الصّدقة الأُوْلى التي كانت في أيّام النّحر؛ لأنّه تصدق قبل سبب الوجوب فلا يجزئه عمّا يلزمه من [التصدُّق] (١٣) بعد ذلك، ولو لم يتصدق بتلك الشاة التي أوجبها ولم يذبحها حتّى مضت أيّام النحر تصدق بعينها حيَّة؛ وقد ذكرناه، ولو ضلَّت أو سرقت، إلى أن قال: على الموسر ذبح أحديهما وعلى الفقير ذبحهما؛ لأنّ الوجوب على الفقير بالشّراء، والشّراء قد تعدّد فيتعدّد الوجوب، والوجوب على الغني بإيجاب الشّرع، والشّرع لم يوجب إلا أضحيّة واحدة، كذا في "الفتاوى الظهيرية" (١٤) (١٥).


(١) النَّوَادِر: مسائل النوادر هي المسائل المروية عن أصحاب المذهب لكن ليست في كتب ظاهر الرواية وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية: لأنها لم ترو عن مُحَمَّد بروايات ظاهرة صحيحة ثابتة. يُنْظَر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٢٨٢).
(٢) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٨/ ٤٥٩)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٤٣)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٧).
(٣) الزَّعْفَرَانِيّ: أبو عبدالله، الحسن بن أحمد بن مالك الزعفراني، الفقيه، الحنفي، مُرَتِّبُ مسائل كتاب "الجامع الصغير في الفروع" لمحمد بن الحسن، من تصانيفه: كتاب الصلاة، الضحايا، وغيرها، تُوُفِّيَ تقريباً سنة ٦١٠ هـ. يُنْظَر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ١٨٩ - ١٩٠)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٤٣٣ - ١٤٣٤)
(٤) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٨/ ٤٥٩)، العناية شرح الهداية (٩/ ٥١٦)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٤٣)
(٥) في (ب): (هذه).
(٦) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٢/ ١٣)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٨/ ٤٥٩)، خزانة الأكمل للجُرجاني (٣/ ٥١٢).
(٧) سقطت من (ب).
(٨) سقطت من (أ).
(٩) في (ب): (وإن).
(١٠) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٢/ ٤٣).
(١١) سقطت من (أ).
(١٢) في (ب) (انتقَلَت).
(١٣) في (أ): (النصف).
(١٤) الْفَتَاوَى الظَّهِيْرِيَّة: لأبي بكر، محمد بن أحمد القاضي، الفقيه الأصولي، الحنفي، ظهير الدين، الْمُتوَفَّى سنة ٦١٩ هـ، ذكر فيها: أنه جمع كتابا من الواقعات والنوازل، مما يشتد الافتقار إليه، وفوائد غير هذه، وقد حققته الدكتورة شادية عبدالشكور بن عبدالله تجار الشاهي، في رسالة علمية في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة وحتى الآن لم يُطبَع. يُنْظَر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٢٢٦)، معجم المؤلفين (٨/ ٣٠٣).
(١٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١٢/ ١٣ - ١٤)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٨/ ٤٥٩)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٤٤).