للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك لو دخل رجلٌ على غيره ليلاً وهو شاهرٌ سيفه أو مادٌّ رُمْحَهُ يشتدّ نحوه فإن صاحب المنزل [يُحَكِّم] (١) رأيه/ فإن كان أكبر رأيه أنّه لِصٌّ قَصَدَ قَتْلَهُ وأَخْذَ مالِه وخاف أنّه إنْ صاحَ به [يُبادره] (٢) بالضّرب فلا بأس بأن يشتد عليه بالسّيف ويتغدَّى عليه قبل أن [يتعشَّى] (٣) هو به (٤)، وإن كان [أكبر] (٥) رأيه أنّه هارب من اللصوص لا ينبغي أن يعجل بقتله (٦).

وإنْ قَتَلَهُ وفي [رأيه] (٧) أنه لص ثم تبين أنّه رجل صالح؛ القياس أن يُقْتَصَّ، وفي الاستحسان عليه الدية، وهي مسألة كتاب الإكراه، فعلم بهذا أن فيما هو أهم الأمور وهو الدماء والفروج جاز العمل فيها [بأكبر] (٨) الرأي عند الحاجة مع أنّ الغلط إذا وقع لا يمكن تداركه ففيما دون ذلك أولى، ولما كان كذلك إذا كان [أكبر] (٩) رأيه أنّه كاذب لم ينبغِ له أن [يتعرض لشيء] (١٠) من ذلك؛ لأنّ [أكبر] (١١) الرّأي فيما لا يوقف عليه كاليقين (١٢).

والأصل فيه قوله -عليه السلام- لوَابِصَةَ بْنِ مَعْبَد (١٣) -رضي الله عنه-: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى صَدْرِكَ وَاسْتَفْتِ قَلْبَكَ فَمَا حَكَّ فِيْ صَدْرِكَ فَدَعْهُ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ بِهِ» (١٤)، وقال -عليه السلام-: «الْإِثْمُ [حَزَّازُ] (١٥) (١٦) الْقُلُوْبِ» (١٧).


(١) في (أ): (بِحُكم).
(٢) في (أ): (تَبَادَرَه).
(٣) في (أ): (يظفر).
(٤) ويتغدَّى عليه قبل أن يتعشَّى هو به: هذه الجُمْلَة أصلها من الْمَثَل العربي: (تَغَدَّ بالْجَدْيِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى بِكَ)، وهو مَثَلٌ يُضْرَب في أخذ الأمر بالحزم والمبادرة. يُنْظَر: حياة الحيوان الكبرى للدميري (١/ ٢٦٦)، مجمع الأمثال للنيسابوري (١/ ١٣٩).
(٥) في (أ): (أكثر).
(٦) يُنْظَر: الأصل للشيبانيى (٢/ ٢٦٠)، المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٧٧)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ٤٩٨).
(٧) في (أ): (رواية).
(٨) في (أ): (بأكثر).
(٩) في (أ): (أكثر).
(١٠) في (ب): (يعترض بشيء).
(١١) في (أ): (أكثر).
(١٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٠/ ٥٦)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٢٠٢ - ٢٠٣).
(١٣) وَابِصَة بْن مَعْبَد: هو الصحابي الجليل وابصة بن معبد بن عُتبة بن الحارث الأسدي، يُكَنَّى أبا سالم وقيل أبو سعيد، وَفَد على النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة ٩ هـ، سكن الكوفة ثُمَّ تحَوَّل إلى الرَّقَّة، فأقام بها إلى أن مات، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث، وروى عن ابن مسعود، وأُم قيس بنت محصن، وغيرهم، وروى عنه ابناه: عمرو وسالم، والشعبي، وزياد ابن أبي الجعد، وغيرهم. يُنْظَر: أسد الغابة (٤/ ٦٥١)، الإصابة في تمييز الصحابة (٦/ ٤٦١).
(١٤) أخرج أحمد في مسنده (٢٩/ ٥٢٧) كتاب (مسند الشاميين) باب (حديث وابصة بن معبد) برقم (١٨٠٠١) قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ الزُّبَيْرِ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مِكْرَزٍ، عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَإِذَا عِنْدَهُ جَمْعٌ، فَذَهَبْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ، فَقُلْتُ: أَنَا وَابِصَةُ، دَعُونِي أَدْنُو مِنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ، فَقَالَ لِي: «ادْنُ يَا وَابِصَةُ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ»، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَقَالَ: «يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ مَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ، أَوْ تَسْأَلُنِي؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَأَخْبِرْنِي، قَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي، وَيَقُولُ: «يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ».
- وأخرجه الدارمي في سُنَنِه (٣/ ١٦٤٩) برقم (٢٥٧٥)، الطبراني في معجمه الكبير (٢٢/ ١٤٨) برقم (٤٠٣).
- الحديث بهذا الإسناد ضعيف، فيه الزبير أبي عبدالسلام، لم يسمع من أيوب بن عبدالله بن مكرز، قال المزي في تهذيب الكمال: (قال البخاري: أَيُّوب بن عَبد اللَّهِ بن مكرز من بني عامر بْن لؤي، وكَانَ رجلا خطيبا، عن ابن مسعود، ووابصة، روى عنه الزبير أَبُو عبد السلام، ويُقال: إنه مُرْسِلٌ)، ثم قال المزي بعد ذلك: (وَقَال حماد بْن سلمة (٤): أخبرنا الزبير عبد السلام، عن أيوب ابن عَبد اللَّهِ بْن مكرز، ولم يسمعه منه، قال: حدثني جلساؤه وقد رأيته، عَن وابصة الأسدي: فِي البر والإثم). يُنْظَر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي (٣/ ٤٧٩ - ٤٨٠).
(١٥) في (أ): (حزان).
(١٦) حزَّاز: على وزن فعَّال، مِنَ الحَزّ وهو القَطْع، ومعناه في الأَثَر المذكور: الأُمُور التِي تَحُزُّ فِي القُلُوب؛ أَيْ: تَحُكُّ وتُوهِم أَنْ تكُون مَعَاصِي لِفَقدِ الطمَأنِينَة إلَيهَا. يُنْظَر: الْمُغْرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ١٢٣)، مختار الصحاح (١/ ٧١).
(١٧) أورده بهذا اللفظ الغزالي في "إحياء علوم الدين" (١/ ١٨) كتاب (العلم) باب (بيان العلم الذي هو فرض كفاية) قال: وقال -صلى الله عليه وسلم-: «الإثم حَزَّاز القلوب».
- قال السُّبْكِي في طبقات الشافعية: لم أجِد لهُ سنداً. يُنْظَر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٦/ ٢٨٧).
- وقال العراقي: أخرجه البيهقي في شُعَب الإيمان من حديث ابن مسعود، ورواه العَدنِي في مسنده موقوفاً عليه. يُنْظَر: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار (ص ٢٧).
- ولكن بعد تتبع قول العراقي وجدت أن البيهقي أخرجه في شُعَب الإيمان بسندين، وبلفظٍ مختلف عن السابق:
الأول: مرفوع (٧/ ٣٠٧) برقم (٥٠٥١) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَمِيرَوَيْهِ، أنا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الْإِثْمُ حَوَازُ الْقُلُوبِ، وَمَا مِنْ نَظْرَةٍ إِلَّا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهَا مَطْمَعٌ».
الثاني: موقوف (٩/ ٤١٠) برقم (٦٨٩٢) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، نا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سِنَانٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: «الْإِثْمُ حَوَازُ الْقُلُوبِ فَإِذَا حَزَّ فِي قَلْبِ أَحَدِكُمْ شَيْئًا فَلْيَدَعْهُ».
- وقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" بسندين كلاهما موقوفين على ابن مسعود -رضي الله عنه-. يُنْظَر: المعجم الكبير للطبراني (٩/ ١٤٩) رقم (٨٧٤٨)، (٨٧٤٩).
- وقد صحح أسانيده الألباني، ولكنه رجَّح الرفع. يُنْظَر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (٦/ ٢٢١ - ٢٢٢).