للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَذَكَرَ فِي " الأسرار ": (مِنْ حُجّةِ أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- هِيَ مَا رُوِيَ عَنْ النّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ مَثَلَكُمْ وَمَثَلُ الأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ، مَثَلُ مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ الفَجْرِ إِلَى الظُّهْرِ؛ بِقِيرَاطٍ (١)؟ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ ثُمَّ قَالَ: مَنَ يَعْمَلُ لِي مِنَ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ بِقِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ العَصْرِ إِلَى المغرب بِقِيرَاطَيْنِ؟ فَعَمِلْتُمْ أَنْتُمْ، فَكُنْتُمْ أَقَلَّ عَمَلًا أو (٢) أكثرَ أجرًا» (٣)، فَضُرِبَ (٤) قِصَرُ المُدَّةِ لِقَلَّةِ العَمَلِ مَثَلًا، فَجَاءَ مِنْ هَذَا أنَّ مُدَّةَ العَصْرِ أَقْصَرُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَقْصَرَ) (٥)، إِذَا كَانَ الجَوَابُ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ -رحمه الله-؛ وَلِأَنَّ الوَقْتَ شُرِعَ لِلأَدَاءِ، عَلَى مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ المُسْتَحَاضَةِ؛ تَتَوضّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ (٦)، إِلَّا أَنَّهُ شُرِعَ زَائِدًا عَلَى فِعْلِ الأَدَاءِ؛ تَوْسِعَةً، وَحَاجَةُ الظّهْرِ إِلَى الأَدَاءِ أَكْثَرُ، لِأَنَّ قَبْلَهَا أَرْبَعٌ مُؤَقّتَةٌ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وَلَيْسَ مَا بَعْدَ صَلَاةِ العَصْرِ وَقَبْلَهَا سُنَّةً مُؤَقّتَةً، ألَا تَرَى أَنَّ وَقْتَ العِشَاءِ أَحَدُّ (٧) مِنْ وَقْتِ المغرب؛ لِأَنَّ الأَدَاءَ فِي العِشَاءِ أَكْثَرُ؛ لِأَنّهَا أَرْبَعٌ وَبَعْدَهَا الوِتْرُ.


(١) القِيراط: جُزء مِنْ أَجْزَاءِ الدِينار؛ وَهُوَ نِصْفُ عُشْره فِي أَكْثَرِ الْبِلَاد، وأهل الشام يَجْعَلُونَهُ جُزْءًا مِنْ أَربعة وَعِشْرِينَ، وَالْيَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الرَّاءِ واصله قِرّاط. ينظر " النهاية فِي غريب الحديث والأثر " (٤/ ٤٢)، و" لسان العرب لابن منظور " (٧/ ٣٧٥).
(٢) فِي (ب): (و).
(٣) أخرجه البخاري فِي "صحيحه" (٣/ ١٧٩) فِي كتاب "فضائل القرآن"، باب "فضل القرآن علي سائر الكلام" حديث رقم (٤٨٣١)
(٤) فِي (ب): (قصرت).
(٥) انظر: " الأسرار للدبوسي": (١/ ٥٨٦). وقَالَ السرخسي والكاساني بمثل المذكور فِي الأَسْرَارِ، ينظر: "المَبْسُوطِ" (١/ ١٤٣)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ١٢٣). وقد اعترض على الاستدلال بهذا الحديث من خمسة أوجه:
الأول: أن الحديث ساقه النبي -صلى الله عليه وسلم- مساق ضرب الأمثال والأمثال مظنة التوسعات والمجاز.
الثاني: أن المراد بقوله (فكنتم أقل عملاً) أي من مجموع عمل الفريقين.
الثالث: أن ما بعد العصر مع التأهب لها بالأذان والإقامة والطهارة وصلاة السنة أقل مما بين العصر ونصف النهار
الرابع: كثرة العمل أو قلته، لا يدل على قصر الزمان، أو طوله؛ فقد يعمل الإنسان في زمن قصير، أكثر مما يعمل غيره في زمن مثله أو أطول منه.
الخامس: حديث جبريل -عليه السلام- وغيره من الأحاديث الواردة في تحديد الوقت؛ أحاديث صريحة، لا يتطرق إليها تأويل، وهذا الحديث؛ يتطرق إليه التأويل. انظر: المجموع شرح المهذب؛ للنووي (٢/ ٢٧)، المغني لابن قدامة (١/ ٢٧٢).
(٦) ينظر: الآثار لمحمد بن حسن الشيباني (١/ ٨٢).
(٧) كَذَا فِي (أ)، وفِي (ب) كأنها (أشدّ)، ولم أجد للعِبَارَةٌ نظيرا فيمَا بحثت فِيهِ من كتب الأحناف.