للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: يشكل على هذا مسألتان:

أحدهما: أنّ الْمُحْرم إذا زجر كلب الحلال يجب عليه الجزاء، فلو كان الاعتبار للإرسال لا للزّجر لما وجب الجزاء [على] (١) المحرم إذا زجر.

والثّانية: المسألة التي تليه، وهي قوله: (وإن لم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر [فأخذ] (٢) الصيود: فلا بأس بأكله) (٣) حيث اعتبر الزجر في حلّ الصّيد كالإرسال، فعلم بهذا أن للزجر اعتباراً.

قلت: أمّا الجواب عن الأوّل: فإنّ الجزاء على الْمُحرِم يجب بما هو أقلّ من الزّجر وهو الدّلالة، وبما هو مثله وهو الإعانة؛ بحكم الحديث، فلما وجب بدون الزّجر فَلَأَن يجب بالزجر بالطّريق الأَوْلَى (٤).

وأمّا عن الثّاني: [فإنّ] (٥) الزّجر لا اعتبار [له] (٦) بمقابلة الإرسال الذي هو أقوى منه، وأمّا إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه فله اعتبار (٧).

على أنّ هذا الذي ذكره في الكتاب (٨) في مسألة الانفلات (٩) هو جواب الاستحسان، وأمّا جواب القياس: فهو أن لا يحل أكله.

[وجه] (١٠) القياس: هو أنّ الإرسال أقيم مقام الذكاة، فإذا لم يوجد الإرسال انعدم الذكاة حقيقة وحكمًا فلا يحلّ.

وأمّا وجه الاستحسان: فإن الانزجار عقيب الزجر طاعةٌ دلالةً، فيجب اعتباره ويجعل إرسالاً، إلا إذا كان فيه إبطال السّبب على غيره كما في الفصل الأول والثّاني، وهنا ليس فيه إبطال السبب على غيره، فيجعل إرسالاً، إلى هذا أشار في "الجامع الصّغير" لقاضي خان والمحبوبي (١١).


(١) في (أ): (عن).
(٢) في (أ): (وأخذ).
(٣) يُنْظَر: بداية المبتدي (ص ٢٢٨).
(٤) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٥٤)، العناية شرح الهداية (١٠/ ١٢٤)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٤٣٣).
(٥) في (ب): (فَلِأَنَّ).
(٦) في (ب): (به).
(٧) يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ٥٥)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٥٤ - ٥٥)، تكملة فتح القدير (١٠/ ١٢٥)
(٨) الكتاب: المراد به هنا كتاب "الهداية شرح البداية".
(٩) الانْفِلَات: هُنَا بِمَعْنَى: خُرُوجُ الشَّيْءِ فَلْتَةً، أَيْ: بَغْتَةً، وَالْمُرَادُ هُنَا خُرُوْجُ الْكَلْبِ مِن يَدِ صَاحِبِهِ بَغْتَةً. يُنْظَر: الْمُغْرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ٣٩٦)، مختار الصحاح (١/ ٢٦٠)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٤٣٣) ..
(١٠) في (ب): (فوجه).
(١١) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٥٤)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٤٣٤)، مجمع الأنهر شرح ملتقلى الأبحر (٢/ ٥٧٨).