للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك لو كان رَمْيُ أحَدِهما بعد الآخر قبل إصابة الأوّل، فهو كرميهما معًا، فإنْ أصاب السّهم الأوّل ثم رماه الثّاني فإن كان الأوّل لم يخرجه من الامتناع فهو للثّاني؛ لأنّ الاصطياد منه وُجِد، وهو كمن آثار صيدًا فأخذه غيره (١).

وإن كان الأوّل وَقَذَه فأخرجه من الامتناع، ثم إصابة الثاني فهذا على وجوه: إن مات من الأوّل أُكِل، وعلى الثّاني ضمان ما نقصَتْه جراحتُة؛ لأنّ الأوّل قد اصطاده، والفعل من الثّاني نَقَص ملك الأوّل فيضمن، وإن مات من الجراحة الثّانية لم يؤكل؛ لأنّ الرّمي من الثّاني حين وُجِد لم يكن المحل ممتنعًا، وصار كالرّمي إلى الشّاة، ويضمن الثّاني ما نقصته جراحته؛ لأنه [نَقْصٌ] (٢) دخل في ملك الغير بفعله، ثم يضمن قيمته مجروحًا جراحتين؛ لأنّه أتلف بفعله، إلا أنّه {غرم} (٣) نقصان الجرح الثّاني، فلا [يضمن] (٤) ثانيًا (٥).

وإن مات من الجراحتين لم يؤكل؛ لأن إحدى الرميتين تعلّق بها الحظر، والأخرى تعلّق بها الإباحة، والصّيد بينهما؛ لأنّهما اشتركا في السّبب، وعلى الثّاني للأوّل نصف قيمته مجروحًا بجراحتين، ونصف ما نقصته الجراحة الثّانية؛ لأنّه أتلف على شريكه نصيبه حين أخرجه من الإباحة إلى الحظر، فلزمه الضّمان، وإن لم يُعْلَم بأي الجراحتين مات فهو كما لو عُلِم بأنّه مات منهما؛ لأنّ كل واحد من الجراحتين سبب [للقتل] (٦) ظاهراً، فيضاف إليهما، كذا في "المبسوط" و "الإيضاح" (٧).

(صار بحال يحلّ بذكاة الاختيار) (٨)، أي: لا يحل بذكاة الاضطرار، وهو الرّمي، فكان الرّمي الثّاني مفسد اللحم لذلك (٩).

(فالجواب في حكم الإباحة) (١٠)، أي: لا في حكم الضّمان؛ لأنّ الإنسان لا يضمن ملك نفسه بفعله لنفسه (١١)، والله أعلم بالصّواب.


(١) يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ٥٦).
(٢) في (أ): (بعض)
(٣) سقطت من (أ).
(٤) في (ب): (يضمنه).
(٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٢٤٩ - ٢٥٠)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ٥٦)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ١٨٠).
(٦) في (أ): (للقيد).
(٧) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٢٥٠)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ٥٧)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ١٨٠).
(٨) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٥٤).
(٩) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٦٠)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ١٨٠)، الفتاوى الهندية (٥/ ٤١٩).
(١٠) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٥٤).
(١١) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٠/ ١٣٤)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٤٦١)، الكفاية شرح الهداية (٤/ ١١٥٢).