للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ قُلْتَ: لَوْ تَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- هُنَا بِأَحْكَامٍ فِقْهِيَّةٍ فِيْمَا ادَّعَاهُ بِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ لَا قَبْضَ ضَمَانٍ، مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: إِنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ فِيْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِالْاتِّفَاقِ، وَالْقَبْضُ فِيْ الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَمَا هُوَ مُوجَبُ الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ ثَابِتٌ فِيْ الْكُلِّ، فَلَا يَجُوْزُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ الضَّمَانِ بِهَذَا الْقَبْضِ فِيْ الْبَعْضِ دُوْنَ الْبَعْضِ (١)، وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَوْ اسْتُحِقَّ وَضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ فَالْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ وَالدَّيْنِ جَمِيْعًا عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ كَانَ قَبْضُهُ قَبْضَ ضَمَانٍ لَمَا رَجَعَ بِالضَّمَانِ عِنْدَ الاسْتِحْقَاقِ كَالْغَاصِبِ، وَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ اشْتَرَى الْمَرْهُوْنَ لَا يَصِيْرُ قَابِضًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَلَوْ كَانَ مَضْمُوْنًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ لَنَابَ قَبْضُهُ عَنْ [الشِّرَاءِ] (٢) كَقَبْضِ الْغَاصِبِ (٣)، وَلِأَنَّ الْمَقْبُوْضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ كَرَهْنِ الْمُشَاعِ وَغَيْرِهِ لَا يَكُوْنُ مَضْمُوْنًا، وَالْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ فِيْ حُكْمِ الضَّمَانِ، وَلَوْ كَانِ الْجَائِزُ [مَضْمُوْنَاً] (٤) لَكَانَ الْفَاسِدُ مَضْمُوْنًا (٥)، وَقَوْلُكُمْ: حُكْمَ الضَّمَانِ مِنْ ضَرُوْرَةِ ثُبُوْتِ حَقِّ الْحَبْسِ غَيْرُ مُسْتَقِيْمٍ، فَإِنَّ الْمُسْتَأْجَرَ بَعْدَ الْفَسْخِ مَحْبُوْسٌ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْأُجْرَةِ [الْمُعَجَّلَةِ] (٦) بِمَنْزِلَةِ الْمَرْهُوْنِ، حَتَّى إِذَا مَاتَ الْآجِرُ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ غُرَمَائِهِ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ هُوَ مَضْمُوْنًا إِذَا هَلَكَ (٧) (٨).

وَكَذَلِكَ زَوَائِدُ الرَّهْنِ عِنْدَكُمْ هِيَ أَمَانَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ [لَهَا] (٩) حُكْمَ الرَّهْنِ، [عُلِمَ] (١٠) أَنَّ مَعْنَى الْأَمَانَةِ لَا يُنَافِيْ حُكْمَ الرَّهْنِ (١١)، وَالدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ: أَنَّ [النَّفَقَةَ] (١٢) عَلَى الرَّاهِنِ دُوْنَ الْمُرْتَهِنِ كَالْوَدِيْعَةِ (١٣) (١٤)، مَا جَوَابُنَا عَنْهُ؟ (١٥).


(١) يُنْظَر: الأم للشافعي (٣/ ١٩٣).
(٢) في (أ): (الذي).
(٣) يُنْظَر: الأم للشافعي (٣/ ١٩٠).
(٤) في (أ): (مضمون).
(٥) يُنْظَر: الأم للشافعي (٣/ ١٧١).
(٦) في (أ): (الْمُنْحلة).
(٧) يُنْظَر: الأم للشافعي (٣/ ١٩١).
(٨) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢١/ ٦٥)، العناية شرح الهداية (١٠/ ١٤٣).
(٩) في (أ): (بِهَا).
(١٠) في (أ): (على).
(١١) يُنْظَر: التهذيب في فقه الإمام الشافعي (٤/ ٧٧).
(١٢) في (ب): (البقعة).
(١٣) - الْوَدِيْعَةُ لُغَةً: فَعِيْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُوْلَة، مِنْ الْوَدْعِ، وَهُوَ التَّرْكِ، وَهِيَ مِنْ الأضْدَادِ. يُنْظَر: طِلْبَة الطَّلَبة (ص ٩٨)، الصحاح للجوهري (٣/ ١٢٩٦)، النهاية لابن الأثير (٥/ ١٦٦).
- الْوَدِيْعَةُ اصطِلَاحًا: هِيَ الْمَال الْمَوْضُوعُ عِنْدَ الْغَيْرِ لِيَحْفَظَهُ، وَالْإِيدَاعُ: تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ. يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٠/ ١٠٦)، تكملة فتح القدير (٨/ ٤٨٤)، التعريفات للجرجاني (ص ٢٥١).
(١٤) يُنْظَر: الحاوي الكبير للماوردي (٦/ ٢٤٠)، بحر المذهب للروياني (٥/ ٣٠٤).
(١٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢١/ ٦٥).