للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ رَفَعَا الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِيْ، وَقَصَّا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، [فَالْقَاضِيْ] (١) يُلْزِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَسْلِيْمَ بَدَلِ الصُّلْحِ، [فَإِذَا] (٢) امْتَنَعَ عَنْ التَّسْلِيْمِ يَحْبِسُهُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِيْ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِيْ حَصَلَ بِهِ [الرَّهْنُ] (٣) وَاجِبٌ ظَاهِرًا، فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ حُكْمًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيْقَةً بِالْيَدِ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيْقَةً ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَ بَاطِلاً، كَانَ عَلَى الْمُسْتَوْفِيْ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى، كَذَا هَاهُنَا (٤).

وَجَعَلَ فِيْ "الْإِيْضَاحِ" مَا ذَكَرَهُ فِيْ الْكِتَابِ (٥): بِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُوْنٌ، وَوُجُوْبَ رَدِّ خَمْسَمِائَةٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِلْرَّاهِنِ، قَوْلُ مُحَمَّدٍ/، وَأَمَّا فِيْ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِيْ يُوْسُفَ/: فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا (٦).

فَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ: مَا ذَكَرَ أَنَّ الْقَبْضَ إِنَّمَا وَقَعَ بِمَالٍ مَضْمُوْنٍ فِيْ الظَّاهِرِ، فَصَارَ كَالدَّيْنِ [الثَّابِتِ] (٧) حَقِيْقَةً، وَأَبُوْ يُوْسُفَ/ يَقُوْلُ: بِأَنَّهُمَا إِذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ فَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى انْعِدَامِ الضَّمَانِ، وَحُكْمُ الرَّهْنِ يَثْبُتُ فِيْمَا بَيْنَهُمَا فَيُقْبَلُ تَصَادُقَهُمَا، وَهُوَ الَّذِيْ ذَكَرَهُ فِيْ الْكِتَابِ (٨) بِقَوْلِهِ: (وَعَنْ أَبِيْ يُوْسُفَ/ خِلَافُهُ، وَكَذَا قِيَاسُهُ فِيْمَا تَقَدَّمَ مِنْ جِنْسِهِ) (٩)، أَيْ: قِيَاسُ قَوْلِ أَبِيْ يُوْسُفَ: فِيْ أَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ مَضْمُوْنٍ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، فِيْ مَسْأَلَةِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَرَهَنَ بِثَمَنِهِ، أَوْ اشْتَرَى خَلًّا وَرَهَنَ بِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا، وَالْخَلُّ خَمْرًا، عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِيْ يُوْسُفَ/، وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَ أَبِيْ يُوْسُفَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوْظَةٌ عَنْ أَبِيْ يُوْسُفَ فِيْ مَسْأَلَةِ: الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ (١٠)، وَلَمْ يَحْفَظُوْا رِوَايَتَهُ فِيْ مَسْأَلَةِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَرَهَنَ، ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا، وَأَخَوَاتُهَا، وَلَكِنْ وَجَدُوْا تِلْكَ الْمَسْائِلَ كَمَسْأَلَةِ: الصُّلْحِ [عَلَى] (١١) الْإِنْكَارِ، فَقَالُوْا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِيْ يُوْسُفُ/ فِيْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَقْتَضِيْ: أَنْ لَا يَكُوْنَ الرَّهْنُ مَضْمُوْنًا (١٢).


(١) في (ب): (والقاضِي).
(٢) في (ب): (فإذا).
(٣) في (ب): (الرَّاهِن).
(٤) يُنْظَر: الفتاوى الهندية (٥/ ٤٣٤ - ٤٣٥).
(٥) الْكِتَاب: المراد به هنا "بداية المبتدي"، وذلك بقوله: (ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ: فَالرَّهْنُ مَضْمُوْنٌ). يُنْظَر: بداية المبتدي (ص ٢٣٢).
(٦) لم أجده. ويُنْظَر: الجامع الكبير للشيباني (ص ٢٦٥)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (١٨/ ٧٣).
(٧) في (ب): (الفائت).
(٨) الْكِتَاب: المراد به هنا "الهداية شرح البداية".
(٩) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٦٩).
(١٠) يُنْظَر: النُّتَف في الفتاوى (١/ ٥٠٤)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٦/ ٤٠)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (٢/ ٣٠٨).
(١١) في (أ): (عَن).
(١٢) يُنْظَر: الكفاية شرح الهداية (٤/ ١١٨٠)، العناية شرح الهداية (١٠/ ١٥٩)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٥٠٧ - ٥٠٨).