للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْإِبْرِيْقَ الْمَرْهُوْنَ، أَوْ الْقُلْبَ الْمَرْهُوْنَ، لَمَّا كَانَتْ قِيْمَتُهُ زَائِدَةً عَلَى الدَّيْنِ مَعْ اتِّحَادِهِمَا فِيْ الْوَزْنِ صَارَتْ [الزِّيَادَةُ] (١) مَضْمُوْنَةً أَيْضًا تَبَعًا لِلْوَزْنِ، عِنْدَ أَبِيْ حَنِيْفَةَ/؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَصْلٌ وَالصِّيَاغَةُ (٢) تَبَعٌ (٣)؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ يَقُوْمُ بِدُوْنِ الصِّيَاغَةِ؛ وَالصِّيَاغَةُ لَا تَبْقَى بِدُوْنِ الْوَزْنِ، فَكَانَتْ الصِّيَاغَةُ تَبَعًا لِلْوَزْنِ، كَالْأَطْرَافِ تَبَعٌ لِلرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ تَبْقَى بِدُوْنِ الْأَطْرَافِ، وَالْأَطْرَافُ/ لَا تَبْقَى بِدُوْنِ الرَّقَبَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ الصِّيَاغَةَ تَبَعٌ لِلْوَزْنِ، وَجَمِيْعُ الْوَزْنِ صَارَ مَضْمُوْنًا؛ لِأَنَّ [الْوَزْنَ] (٤) عَشَرَةٌ وَالدَّيْنَ عَشَرَةٌ، وَإِذَا صَارَ جَمِيْعُ [الْوَزْنِ مَضْمُوْنًا] (٥) صَارَتْ الصِّيَاغَةُ مَضْمُوْنَةً تَبَعًا لِلْأَصْلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ [التَّبَعِ] (٦) لَا يُخَالِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ، فَصَارَ الْكُلُّ مَضْمُوْنًا، وَحَالَةُ الْانْكِسَارِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ اسْتِيْفَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ، فَيَكُوْنُ ضَامِنًا جَمِيْعَ الْقِيْمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، كَمَا فِيْ الْمَغْصُوْبِ، وَرَوَى [بِشْرٌ] (٧) عَنْ أَبِيْ يُوْسُفَ مِثْلَ هَذَا (٨).

فَأَمَّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (عِنْدَ أَبِيْ يُوْسُفَ/) (٩): أَنَّ الْمُرْتَهِنَ (يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ) (١٠) الْقُلْبِ مِن خِلَافِ جِنْسِهِ، ويُمَيِّزُ سُدُسَ الْمَكْسُوْرِ، فَيُضَمُّ إِلَى مَا ضُمِنْ وَيَكُوْنُ مَرْهُوْنًا عِنْدَهُ، وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ [يَصِيْرُ] (١١) مَمْلُوْكًا {لَهُ} (١٢) بِالضَّمَانِ، وَإِنَّمَا يُمَيَّزُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الشُّيُوْعِ فِيْ الرَّهْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشُّيُوْعَ الطَّارِئَ فِيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالشُّيُوْعِ الْمُقَارِنِ (١٣)، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِيْ يُوْسُفَ/ أَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَمَانَةَ يَشِيْعُ فِيْ الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ (١٤)؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصَّنْعَةَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَالِيَّةِ مَعَ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فِيْ الْقُلْبِ الْمُوْصَى بِهِ، وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ قُلْبَ الْيَتِيْمِ بِمِثْلِ وَزْنِهِ لَا يَجُوْزُ، وَيُجْعَلُ مُحَابَاتُهُ (١٥) بِالْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ كَمُحَابَاتِهِ بِالْوَزْنِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا قُلْنَا: خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ يَصِيْرُ مَضْمُوْنًا بِجَوْدَتِهِ [وَصَنْعَتِهِ] (١٦)، وَسُدُسُهُ أَمَانَةً، فَالتَّغَيُّرُ بِالْانْكِسَارِ فِيْمَا هُوَ أَمَانَةٌ لَا يُعْتَبَرُ، وَفِيْمَا هُوَ مَضْمُوْنٌ يُعْتَبَرُ، وَحَالَةُ الْانْكِسَارِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ الْاسْتِيْفَاءِ عِنْدَهُ، فَيَضْمَنُ قِيْمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِهَذَا، كَذَا فِيْ "الْمَبْسُوْطَيْنِ" (١٧).


(١) في (ب): (الزَّائِدَةُ).
(٢) الصِّيَاغَةُ: جَعْلُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ حُلِيًّا، يُقَالُ: صَاغَ الرَّجُلُ الذَّهَبَ يَصُوغُهُ صَوْغًا، وَصِيَاغَةً. يُنْظَر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (١/ ٣٥٢)، لسان العرب (٨/ ٤٤٢).
(٣) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (١٨/ ٩٦)، الفتاوى الهندية (٥/ ٤٧٤)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٧٤).
(٤) في (ب): (الْمَوْزُوْنَ).
(٥) في (ب): (الدَّيْنِ مَوْزُوْنَاً).
(٦) في (أ): (الْبَيْع).
(٧) في (أ): (الْحَسَنُ)، وما أثْبَتُّهُ من (ب) هو الصواب، نقلاً عن المبسوط للسرخسي (٢١/ ١١٨).
(٨) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢١/ ١١٨)، العناية شرح الهداية (١٠/ ١٦٥ - ١٦٦)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (١/ ٢٣١).
(٩) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٧٣).
(١٠) يُنْظَر: المرجع السابق.
(١١) في (ب): (يَكُوْنُ).
(١٢) سقطت من (أ).
(١٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢١/ ١١٨)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٦/ ١٦٢)، الفتاوى الهندية (٥/ ٤٧٣ - ٤٧٤).
(١٤) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢١/ ١١٩)، العناية شرح الهداية (١٠/ ١٦٥ - ١٦٦)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (١/ ٢٣١).
(١٥) مُحَابَاتِهِ: الْمُحَابَاةُ: هِيَ الْمُسَامَحَةُ وَالْمُسَاهَلَةُ، وَالْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ: حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ، وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْحِبَاءِ وَهُوَ الْعَطَاءُ. يُنْظَر: الْمُغْرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ١١٠)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (١/ ١٢٠).
(١٦) في (ب): (وَصِيْغَتِهِ).
(١٧) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢١/ ١١٨ - ١١٩)، العناية شرح الهداية (١٠/ ١٦٦)،