للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّ قُلْتَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا؛ تَعْجِيلُ الفَجْرِ فِي أَوَّلِ الوَقْتِ، وانَّهُ مُبَاحٌ، ذَكَرَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ فِي"المَبْسُوطِ" (١)،

وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَلِيلُ الكَرَاهَةِ؛ وَهُوَ تَقْلِيلُ الجَمَاعَةِ، سَالِمَاً عَنْ مُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ

قُلْتُ: لَا أُسَلِّمُ أَنَّ دليلَ الكراهةِ سالمٌ عَنْ المُعَارِضِ؛ بَلْ عَارَضَهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (٢)، وَقَوْلُهُ: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (٣) وَلَاشَكَّ؛ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّأْخِيرِ مَعْنَى تَكْثِيرِ الجَمَاعَةِ؛ كَانَتِ المُسَارَعَةُ إِلَى العِبَادَةِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ مَنْدُوبًا؛ لِصِيَانَتِهَا عَنْ مَوَانِعَ تَعْرُوهَا، عَسَى (٤) فَكَانَ فِيهِ تَعَارُضُ دَلِيلِ النَّدْبِ؛ وَهُوَ المُسَارَعَةُ إِلَى العِبَادَةِ، مَعَ أَنَّ (٥) دَلِيلَ الكَرَاهَةِ؛ وَهُوَ تَقْلِيلُ الجَمَاعَةِ، فَثَبَتَتِ الإِبَاحَةُ لِذَلِكَ، كَمَا فِي تَأْخِيرِ العِشَاءِ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى النِّصْفِ الأَوَّلِ.

وأما فِي التَّأْخِيرِ مِنَ النِّصْفِ إِلَى آخِرِ النِّصْفِ الأَخِيرِ، فَمَكْرُوهٌ؛ لِكَوْنِ دَلِيلِ الكَرَاهَةِ سَالِمًا عَنْ مُعَارَضَةٍ دَلِيلِ النَّدْبِ أَصْلاً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ المُسَارَعَةُ إِلَى العِبَادَةِ، (وَلَا تَكْثِيرُ الجَمَاعَةِ، وَلَا قَطْعُ السَّمَرِ؛ لِانْقِطَاعِهِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ تَعْجِيلِ الفَجْرِ، فَإِنَّ فِيهِ المُسَارَعَةَ إِلَى العِبَادَةِ) (٦)؛ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رحمه الله- (٧).


(١) وجدت كلامَا نحوه فِي: " تبيين الحقائق للزيلعي " (١/ ٧٩)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري" (١/ ١٦٣).
(٢) سورة آل عمران: من آية (١٣٣).
(٣) سورة المائدة: من آية (٤٨).
(٤) (تعروها عسى)، كَذَا فِي المخطوط (أ)، و (ب).
(٥) (أن) ساقطة من (ب).
(٦) ساقطة من (ب).
(٧) انظر: " مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: ٧٥).