للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: هذا ابتداء، أي: لا يقتل ذو العهد في مدة عهده أبدًا.

قلنا: الواو حقيقة للعطف خصوصاً فيما لا يكون مستقلاً بنفسه.

فإن قيل: قد روي «ولا بذي عهد» (١) فيفهم منه أن المؤمن لا يقتل بذي العهد.

قلنا: إن ثبت (٢) هذه الرواية فهي محمولة على المستأمن وبه نقول أن المسلم لا يقتل بالمستأمن (٣).

فإن قلت: لو احتج الخصوم بعموم قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (٤).

وبقوله: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} (٥)، والقصاص ينبئ عن المساواة لغة وشرعًا وبعدما انتفت المساواة بينهما بالنصوص الظاهرة [لا يجب القصاص] (٦) وكذلك قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (٧) أي: لن يشرع لهم ذلك، فإنا نرى لهم علينا سبيل الغلبة من غير شرع والقتل قصاصاً مشروع وأنه أعظم سبيل فلا يثبت لهم علينا؛ ولأنَّ الكفر هو المبيح للقتل في أصله وقولكم: المبيح هو كفر المحارب [ينتقض] (٨) بالمرتد المقهور والأسير المقهور في أيدينا فإنهما يُقتلان لقيام الكفر وليس لهما قدرة المحاربة ما جوابنا عنه؟

قلت: أمَّا العمومات فنعارضهم بعمومات تشهد لنا مثل قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (٩) وبقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} (١٠) وبفعل النبي -عليه السلام- أنه «قتل مسلمًا بذمي» (١١).


(١) رواه الدارقطني (٣/ ١٣٤)، في (كتاب الحدود والديات وغيره)، برقم (١٦٣) عن جابر عن عامر قال: قال علي -رضي الله عنه- «من السنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حر بعبد». قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (٣/ ٧٩): في إسناده جابر الجعفي، وليس بمتصل أصلا.
(٢) وفي (ب) (ثبتت)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٣٤، ١٣٥).
(٤) سورة الحشر من الآية (٢٠).
(٥) سورة السجدة الآية (١٨).
(٦) سقط في (ب).
(٧) سورة النساء من الآية (١٤١).
(٨) زيادة في (ب).
(٩) سورة المائدة من الآية (٤٥).
(١٠) سورة الإسراء من الآية (٣٣).
(١١) سبق تخريجه (ص ٢٣٦).