للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاصل هذه المسألة راجع إلى ما ذكرنا وهو أنَّ التفاوت يعتبر في الأطراف حتى لا تقطع اليدان بيد واحدة عندنا للتفاوت في البدل وتأثير التفاوت في المقدار فيما يعتبر فيه المماثلة أكثر من تأثير التفاوت في الصِّفة.

ألا ترى أنَّ في الأموال الربوية التفاوت في المقدار يمنع جواز العقد والتفاوت في الصِّفة لا يمنع، ثُمَّ التفاوت في الصفة ههنا يمنع استيفاء الأكمل بالأنقص كالصحيحة بالشَّلاء فالتفاوت في المقدار أولى.

وعند الشافعي -رحمه الله- تُقطع اليدان (١) بِيَدٍ واحدة إذا وضعا السكين من جانب واحد بخلاف ما إذا اختلف موضعهما وذلك؛ لأنَّ عند الاتحاد أمرَّ كل واحد منهما السلاح على جميع العضو بخلاف ما إذا اختلف محل الفعل؛ لأنَّه لم يوجد من كل واحد منهما إمرار السِّلاح إلا على بعض العضو (٢).

ولكنَّا نقول: كل واحد منهما قاطع بعض يده سواء اختلف محل القتل (٣) أو اتَّحد؛ لأنَّ القطع هو الفصل (٤) بين متصلين ولهذا يطلق هذا الاسم على الخشب والنبات والجبال ونحن نتيقَّن أن ما انقطع بفعل أحدهما لم ينقطع بفعل الآخر ولا معتبر بإمرار كل واحد منهما السِّلاح على جميع العضو؛ لأنَّ إمرار السِّلاح من غير حصول القطع به وجوده كعدمه وما انقطع بقوة أحدهما لم ينقطع بقوَّة الآخر هذا شيء يعرفه كل عاقل فعرفنا أنَّ كل واحد منهما قاطع بعض اليد فلا يجوز أن تقطع جميع يده بقطعه بعض اليد؛ لأنَّ المساواة في الفعل معتبرة لا محالة.

وأمَّا النَّفس فالقياس فيها هكذا، ولكن تركنا القياس بالأثر وهو حديث عمر -رضي الله عنه- (٥) والمخصوص من القياس بالأثر لا يلحق به إلا ما يكون في معناه من كل وجه، والطرف ليس في معنى النفس من كل وجه؛ لأنَّ الفعل في النّفس لا يحتمل الوصف بالتجزئ بحال والفعل في الطرف يحتمل الوصف بالتجزئ.


(١) وفي (ب) (يدان).
(٢) مذهب الشافعية: أنه تُقطع يد الجماعة بالواحد إذا اشتركوا بأن وضعوا السكين على اليد، وتحاملوا عليها دفعة واحدةحتى أبانوها، أو ضربوه ضربة اجتمعوا عليها، ولو تميز فعلُ الشركاء، بأن قطع هذا من جانب، وهذا من جانب حتى التقت الحديدتان، أو قطع أحدهما بعض اليد، وأبانها الآخر، فلا قصاص على واحد منهما، ويلزم كل واحد منهما حكومة يبلغ مجموعهما دية اليد.
يُنْظَر: الوسيط (٦/ ٢٨٧)، روضة الطالبين (٩/ ١٧٨، ١٧٩).
(٣) وفي (ب) (الفعل)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام، وهكذا جاءت في مبسوط السرخسي (٢٦/ ١٣٨).
(٤) وفي (ب) (لأن الفصل هو القطع).
(٥) يقصد به حديث «لو تمالأ عليه أهل صنعاء … » وقد مرَّ معنا قريباً.