للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: لاشكَّ في أنَّ وضع المسألة مطلق لا قيد فيه إذ القيد غير ملفوظ، ولكن ما ذكره من الجواب جواب لأحد نوعي القطع فكان تقديره فعلى القاطع الدية في ماله إن كان القطع عمدًا.

(وَإِنْ كَانَ عَمْداً فَهُوَ مِنْ جَمِيْعِ المَالِ (١)؛ لأن موجب العمد القود، والقود ليس بمال فلذلك جاز العفو عن دم العمد في حالتي الصحة والمرض من جميع المال؛ لأنَّ دم العمد ليس بمال، وبالمرض إنَّما يلحقه الحجر عن التصرُّفِ في ماله لحق الورثة ففيما ليس في ماله المرض والصحَّة [فيه] (٢) سواء والقاتل وغير القاتل فيه سواء.

ألا ترى أنَّه لو أعان إنسانًا ببدنه لا يعتبر من ثلث ماله وإن كان ذلك الرجل قاتلاً له كذا في المبسوط (٣).

(كَمَا إِذَا أَوْصَى بِإِعَارَةِ أَرْضِهِ (٤) أي: لا يتقيَّد (٥) جواز الإعارة بالثلث وكذلك لو أبرأه (٦) الكفيل بالنَّفس عن الكفالة أو تبرَّع بمنافع الدَّارِ وغيرها لا يتقيد ذلك بالثلث فيصح ذلك سواء كان في الصحة أو في المرض.

(أَمَّا الخَطَأُ فَمُوجِبُهُ المَالَ، وَحَقُّ الوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ (٧) فإن قيل: القاتل واحد من العاقلة فكيف جَوَّز الوصيَّة بجميع الثلث ههنا (٨) حتَّى صح في نصيب القاتل أيضاً مع أن الوصية لا تصح للقاتل؟

قلنا: إنَّما جَوَّز ذلك؛ لأن المجروح لم يقل أوصيتك (٩) بثلث الدية وإنَّما عفى عنه المال بعد سبب الوجوب فكان تبرعًا مبتدأ وذلك جائز للقاتل.

ألا ترى أنَّه لو وهب له شيئاً وسلم جاز وإنَّما لا تجوز الوصية من جهته.

وفي الجامع الصَّغير لقاضي خان والمحبوبي: هذا على قول من يقول: أنَّ الدية تجب على العاقلة ابتداءً، وأمَّا على قول من يقول: تجب الدية على القاتل وتتحمل عنه العاقلة فكذلك؛ لأنَّهم يتحملون عنه بطريق الحوالة وأنها توجب براءة ذمَّة الأصيل (١٠).

ولم يذكر في الكتاب هل يبطل بمقدار ما يتحمل القاتل وهو قدر نصيبه عند القسمة اختلفوا فيه، قال بعضهم: لا يسقط قدر نصيب القاتل، وقال بعضهم: يصح ويسقط الكل لأنَّه لو بقي نصيبه يجعل كأن الواجب ليس إلا هذا فيتحمل عنه العاقلة ثم هكذا وهكذا إلى أن لا يبقى شيء على القاتل في (١١) الآخرة فأوجب سقوط الكل وهو الصَّحيح، وذلك لأنَّا لو أبطلنا الوصيَّة في حصَّة القاتل كانت الوصيَّة كلها للعاقلة كمن (١٢) أوصى لحيٍّ وميت كانت الوصية للحيِّ تصحيحًا للوصيَّة فلو أبطلنا الوصية في حصَّته ابتداء يلزمنا (١٣) تصحيحها في الانتهاء على ما ذكرنا فَصَحَّحناها ابتداءً قصراً للمسافة (١٤).


(١) بداية المبتدي (٢٤٢).
(٢) زيادة في (ب).
(٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٥٧).
(٤) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧١).
(٥) وفي (ب) (لا يتقيه).
(٦) وفي (ب) (أبرء).
(٧) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧١).
(٨) وفي (ب) (هنا).
(٩) وفي (ب) (أوصيك).
(١٠) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٦/ ٢٢٩)، المحيط البرهاني (٨/ ٧٣٩)، تكملة رد المحتار (١/ ١٣٣).
(١١) وفي (ب) (شيء في).
(١٢) وفي (ب) (لمن).
(١٣) وفي (ب) (يلزمها).
(١٤) يُنْظَر: تبيين الحقائق (٦/ ١٢٠)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٦٣).