للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: (فَإِنْ أَلقَتْهُ حَيًّا) هو القسم الأوَّل؛ لأن قوله: (حَيًّا) تنصيص على حياة الجنين.

وقوله: (فَإِنْ أَلقَتْهُ (١) أسند الإلقاء إلى الأم وهو دليل على حياة الأم؛ لأنَّه إنَّما يستند هو إليها حال حياتها لا بعد موتها.

وفي «المبسوط» وإن خرج الجنين حيًّا بعد الضَّربة ثم مات ففيه الدية كاملة؛ لأنَّه لما انفصل حيًّا كان نفساً من كل وجه، وقتل النَّفس المؤمنة يوجب الدية والكفَّارة؛ قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (٢) (٣).

(وَلَنَا: أَنَّ مَوتَ الأُمِّ أَحَدُ سَبَبَيْ مَوْتِهِ (٤) أي: موت الجنين يعني أن لموت الجنين الذي خرج ميتًا من الأم الميتة سببين:

أحدهما: ضرب الضَّارب، والآخر: اختناقه بموت الأم، فلو نظرنا إلى الأوَّل تجب الغُرَّة (٥) على الضَّارب، ولو نظرنا إلى الثَّاني لا تجب، فلا تجب بالشَّك.

فإن قلت: كما أنَّ الشكَّ ثابت في موت الجنين بضرب الضَّارب في هذه الصُّورة فكذلك الشك ثابت أيضاً فيما إذا خرج الجنين ميتًا من أمه الحية؛ لأنَّه يحتمل أنَّه لم تنفخ فيه الروح بعد؛ لما ذكرت من «المبسوط» أن وجوب الغرة لا يتوقَّف إلى تمام الخلقة بل تجب الغُرَّة وإن لم تتم خلقة الجنين فحينئذ لم يعتبر زوال حياته بسبب ضرب الضَّارب في وجوب الغُرَّة أولاً يجب عليه الغرة أصلاً فيما إذا خرج ميتًا من أمه الحية لوجود الشك كما لو خرج ميتًا من الأم الميتة لوجود الشَّك.

قلت: نعم كذلك إلا أنَّ ضمان الغرة في الجنين إنما يثبت بالنصِّ بخلاف القياس فيما إذا تمكَّن الشك من وجه واحد بأن لم تنفخ فيه الروح وهو فيما إذا خرج الجنين ميتًا من أمٍّ حية؛ لأنَّه قال: فألقت جنينًا ميتًا، وإنَّما يضاف الإلقاء إليها إذا كانت حيَّة والنص الوارد بإيجاب الغرة فيما إذا تمكَّن الشك في وجوب الضَّمان من وجه واحد لا يكون واردًا بإيجابها فيما إذا تمكن الشك في وجوب الضَّمان من وجوه وهو فيما إذا خرج ميتًا بعد موت الأم؛ لأنَّه يحتمل أنَّه لم تنفخ فيه الرُّوح من بعد، ويحتمل أنَّه نفخ فيه الروح إلا أنَّه مات بسبب انقطاع الغذاء بسبب موت الأم لا بالضَّربة ويحتمل أنَّه مات بسبب تخنيق الرحم وغم البطن؛ لأنَّ الأم متى ماتت يتضيق رحمها ولما لم تكن هذه الصُّورة نظيرة لما ورد فيه النص لم يمكن تعدية حكم ما ورد فيه النص إلى الموضع الذي ليس بنظير له فبقي ما إذا انفصل بعد موتها على أصل القياس الذي هو عدم وجوب الضَّمان.


(١) بداية المبتدي (٢٤٧).
(٢) سورة النساء من الآية (٩٢).
(٣) المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ٨٩).
(٤) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٠).
(٥) في هامش (أ) تعليق نصه: «وغرة كل شئ: أوله وأكرمه. والغُرَّةُ: العبد والأمَةُ. وفى الحديث: " قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنين بغرة " وكأنه عبر عن الجسم كله بالغرة. ورجلٌ غِرٌّ بالكسر وغَريرٌ، أي غير مجرِّب، وجاريةٌ غِرَّةٌ وغَريرَةٍ. مختار الصحاح». يُنْظَر: مختار الصحاح (١٩٧).