للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن أبي ليلى -رحمه الله-: هو ضامن لجميع ذلك، وقاس الذي يسير على الدَّابة بالذي وقف دابَّته في الطَّريق فنفحت برجلها أو بذنبها فكما أنَّ هناك يجب ضمان الدية على عاقلته فكذلك ههنا (١).

ولكنَّا نقول في الفرق بينهما: هو ممنوع من إيقاف الدَّابة على الطَّريق؛ لأنَّ ذلك يضر (٢) بالمارة؛ ولأنَّ الطَّريق ما أعد لإيقاف الدَّابة فيها فيكون هو في شغل الطَّريق متعدياً والمتعدي في التَّسبيب يكون ضامناً، ولهذا يستوي فيه بين ما يمكن التحرُّز وبين ما لا يمكن وهذا لأنَّه إن كان لا يمكنه التحرُّز عن النفحة بالرجل والذَّنب فقد يمكنه التحرُّز عن إيقاف الدَّابة بخلاف الأوَّل فإن السير على الدَّابة مباح له لأنَّ الطَّريق معد لذلك كذا في «المبسوط» (٣).

وقوله: (لأَنَّهُ يُتَصَرَّفُ (٤) فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكاً بَيْنَ النَّاسِ (٥) إلى آخره جواب لسؤال ذكر ههنا فذكر ذلك السؤال والجواب في «الذَّخيرة» و «الجامع الصَّغير» للمحبوبي (٦).

وذكر المحبوبي بعدما ذكر أنَّ الدَّابة لو كانت في طريق المسلمين وكان صاحب الدَّابة قائدًا لها أو راكباً يضمن ما أتلفت الدَّابة بالوطئ باليد والرجل أو الكدم؛ لأنَّه إذا وطئت فهو مباشر وإذا كدمت فهو مسبب لكنَّه متعدٍّ في هذا التَّسبيب على ما ذكرنا.

فقال: فإن قيل: هو غير متعد في هذا التَّسبيب فإنَّ له أن يمر في طريق المسلمين كما في ملكه، ولو مر عليها في ملكه فأتلفت شيئاً بهذه الوجوه لم يضمن شيئاً فيجب أن لا يضمن ههنا أيضاً.

قلت (٧): الطَّريق يشبه ملكه من حيث إنَّ المرور مباح له فيه ويشبه ملك الغير من حيث إنَّه ليس له في طريق المسلمين ملك يطلق له التَّصرف فوفرنا على الشبهين حظهما فيما كان مسبباً للإتلاف، فقلنا: إذا كان شيئاً يمكنه حفظ الدَّابة والتحرز عنه يعتبر فيه متعدياً وذلك كالكدم والوطء باليد والرجل في حق القائد والرَّاكب؛ لأنَّ ذلك لا يكون بين عينيه فجعل في هذه الأشياء طريق المسلمين ملحقاً بملك الغير.


(١) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٥٦).
(٢) وفي (ب) (يضمن).
(٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٨٩).
(٤) وفي (ب) (ينصرف).
(٥) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٧، ١٩٨).
(٦) يُنْظَر: المبسوط؛ للشيباني (٤/ ٥٥٢)، المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٨٩، ١٩٠)، العناية شرح الهداية (١٥/ ٣٦٦، ٣٦٧)، الفتاوى الهندية (٦/ ٤٩، ٥٠).
(٧) وفي (ب) (قلنا).