للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ (١) (٢) أي: تساقطت بعد التعارض لانعدام الترجيح (فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا (٣) أي: فرجحنا قولنا [بما ذكرنا] (٤) من الدَّليل، أو نقول: ما روي أنَّه أوجب النصف محمول على ما إذا كانا عامدين حيث يجب نصف [دية] (٥) كل واحد منهما في العمد على عاقلة كل واحد منهما عندنا أيضاً على ما ذكر في الكتاب (٦). (٧)

(وَفِيمَا ذُكِرَ مِن المَسَائِلِ (٨) الفِعْلَانِ مَحْظُورَانِ (٩) فَوَضَحَ الفَرْقُ (١٠) يعني: لما كان الفعل محظوراً كان موجباً للضَّمان.

ولكن لم يظهر في حقِّ نفسه لعدم الفائدة فسقط إيجاب الضَّمان في حقِّ نفسه واعتبر في حق غيره فلذلك وجب على عاقلة كل واحد منهما نصف الدية وأمَّا فيما نحن فيه فالمشي مباح محض فلم ينعقد موجباً للضَّمان في حقِّ نفسه أصلاً فكان صاحبه فإتلافه (١١) من غير معارضة أحد له في قتله فيجب على عاقلة كل واحد منهما كل دية صاحبه، وذلك لأنَّ المباح المحض لا يصلح معارضاً للمحظور في إيجاب الضَّمان وإن كان لا يوجد التَّلف إلا بهما كما لو مات في بئر حفرها غيره في قارعة الطَّريق حيث تجب الدية على الحافر، وإن كان الموت حصل بالمباح والمحظور وهما: المشي، وحفر البئر على قارعة الطَّريق، وإلى هذا المعنى أشار في «الأسرار» (١٢) وقال: والتَّلف بالصَّدمة لا [بالمشي] (١٣)، والمشي (١٤) كان سبباً للصدمة ولكن لم يضف التَّلف إلى السَّبب المباح بل أضيف إلى التعدِّي، كمن مشى حتَّى سقط في بئر ضمن الحافر دون الماشي، والسقوط كان بالأمرين جميعًا، بل بالمشي أكثر حتَّى لو علم بالبئر ومشى كان تعدياً ولم يكن على الحافر شيء ومع ذلك إذا لم يعلم كان مباحاً لم يضف إليه شيء من التَّلف فهذا مثله بخلاف ما إذا جرح نفسه وجرحه (١٥) غيره؛ لأنَّ جرحه غيرَه تعدٍّ وإن كان لا يضمن لنفسه شيئاً (١٦) لأنَّه حرام عليه ذلك إلا بشرط الصَّلاح من جبار أو قصد فإذا عدم الصَّلاح عاد إلى كونه تعدِّياً وإن لم يأثم إذا قصد الصَّلاح كالمخطئ (١٧).


(١) أي: الرواية عن علي -رضي الله عنه-. وقد سبق تخريجها (ص ٥١٩).
(٢) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٩).
(٣) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٩).
(٤) سقط في (ب).
(٥) سقط في (ب).
(٦) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٩)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٦١).
(٧) قال بدر الدين العيني: هذا كله تكلف، وقد ذكرنا أن الذي احتج به زفر -رحمه الله- والشافعي حديث علي -رضي الله عنه- المذكور غريب، يعني لم يثبت، فمن أين يأتي التعارض أو لم يأول، وهذا من قلة الاطلاع في كتب الأحاديث. يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٦١).
(٨) وفي (ب) (مسائل).
(٩) وفي (ب) (المحظوران).
(١٠) الهداية شرح البداية (٤/ ١٩٩).
(١١) وفي (ب) (قاتلا له)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام. وهكذا جاءت في العناية شرح الهداية (١٥/ ٣٧٣).
(١٢) يُنْظَر: تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٩٧)، نتائج الأفكار (١٠/ ٣٥٧).
(١٣) سقط في (ب).
(١٤) وفي (ب) (بالمشي).
(١٥) وفي (ب) (ووجود).
(١٦) وفي (ب) (شيء).
(١٧) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٧/ ٢٧٣)، العناية شرح الهداية (١٥/ ٣٧٣).