للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهَا فِي التَّرْجِيعِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ عِنْدَنَا؛ خِلَافاً لِلشَّافِعِيِّ -رحمه الله- (١)، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ -رضي الله عنه- (٢) وَبِقِيَاسِ التَّكْبِيرِ، فَكَمَا أَنَّهُ (٣) يَأْتِي بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ، أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ فَكَذَلِكَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- فَهُوَ الأصل، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّرْجِيعِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَذَانِ قَوْلُهُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَلَا تَرْجِيعَ فِي هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، فَفِيمَا سِوَاهُمَا أَوْلَى، وامَّا لَفْظَةُ (٤) التَّكْبِيرِ؛ فَدَلِيلُنَا فَإِنَّ ذِكْرَ التَّكْبِيرِ مَرَّتَيْنِ، لَمَّا كَانَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ؛ فَهُوَ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وامَّا حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ، قُلْنَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِالتَّكْرَارِ؛ حَالَةَ التَّعْلِيمِ لِيَحْسُنَ تَعَلُّمُهُ؛ وَهُوَ كَانَ عَادَتُهُ فِيمَا يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ، فَظَنَّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ) (٥).

وَذَكَرَ فِي "الأسرار" (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِحِكْمَةٍ رُوِيَتْ فِي قِصَّتِهِ؛ وَهِيَ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ -رضي الله عنه-؛ كَانَ يُبْغِضُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ الْإِسْلَامِ، أَشَدَّ الْبُغْضِ؛ فَلَمَّا أَسْلَمَ، أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْأَذَانِ، فَلَمَّا بَلَغَ كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ، خَفَضَ صَوْتَهُ؛ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعَرَكَ أُذُنَهُ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ، وَامْدُدْ بِهَا صَوْتَكَ، إِمَّا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَا حَيَاءَ مِنَ الْحَقِّ، أَوْ لِيَزِيدَهُ مَحَبَّةً لِلرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- بِتَكْرَارِ كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ) (٦).


(١) الترجيع: وهو خفض المؤذن صوته بالشهادتين ثم رفعه بهما.؛ سنَّةٌ عند الشافعي ومالك -رحمهما الله- خلافاً لمذهب الأحناف، قال الماوردي -رحمه الله-: فصار مالك موافقا لنا في الترجيع، مخالفا في التكبير، وصار أبو حنيفة -رحمه الله- موافقا لنا في التكبير مخالفا في الترجيع. انظر: " الحاوي الكبير " للماوردي (٢/ ٤٣)، "اللباب في الفقه الشافعي" (ص: ١١٠)
(٢) أبو محذورة: واسمه أوس بن معير بن لوذان بن ربيعة بن عويج بن سعد بن جمح. وأمه خزاعية، أسلم أبو محذورة يوم فتح مكة. كان مؤذن المسجد الحرام، علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- الأذان. وكان من أحسن النَّاس وأنداهم صوتا، وأقام بمكة ولم يهاجر، توفي أبو محذورة بمكة سنة ٥٩ هـ. انظر" الطبقات الكبرى لإبن سعد " (٦/ ٧)، "تاريخ الإسلام للذهبي" (٢/ ٥٥٩)، "الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر" (٧/ ٣٠٣).
(٣) في (ب): (أن).
(٤) في (ب): (لفظ).
(٥) " المبسوط" للسرخسي (١/ ١٢٨).
(٦) انظر " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (١/ ٢٤١)