للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّراً مِنَ الْأَفْعَالِ) (١)

وَهِيَ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ أَيْ: مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ؛ حَتَّى أَنَّ مَنْ تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَاهِياً، وَقَامَ وَصَلَّى تَمَامَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ السَّجْدَةَ الْمَتْرُوكَةَ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ كَذَا فِي "التُّحْفَةِ" (٢).

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّراً).

أَيْ: فِي رَكْعَةٍ احْتِرَازٌ عَمَّا شُرِعَ غَيْرُ مُكَرَّرٍ فِيهَا؛ كَالرُّكُوعِ فَإِنَّ الرُّكُوعَ بَعْدَ السُّجُودِ (٣) لَا يَقَعُ مُعْتَدّاً بِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ لَمْ يَذْكُرْ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى ها هُنَا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ أيْضًا؟. كَذَا ذُكِرَ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي " الْمَبْسُوطَيْنِ " (٤) أَيْضًا؟ وَلِمَ لَمْ يَذْكُرْ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ أَيْضًا ها هُنَا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؟ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" (٥)، وَ"التُّحْفَةِ" (٦) وأي شَيْءٍ أَقَامَ مُقَامَهُ حَتَّى كَمُلَ الْعَدَدُ ثَمَانِيَةٌ؟

قُلْتُ: الْمُصَنِّفُ -رحمه الله- لَمْ يَلْتَزِمْ ذِكْرَ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ بَلْ أَرَى نَظَائِرَ الْوَاجِبَاتِ

بِقَوْلِهِ -رحمه الله- (وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ) إِلَى آخِرِهِ، وَلَكِنْ كَمُلَ مَعَ ذَلِكَ عَدَدُ الثَّمَانِيَةِ فِيمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثَّمَانِيَةِ، مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي " الْمَبْسُوطِ "مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ، فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، لِمَا أَنَّهُ جَعَلَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَتَيْنِ وَاجِباً وَاحِداً، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي تَرْكِهِ ها هُنَا؛ لِمَا أَنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى عِنْدَ بَعْضِهِمْ سُنَّةٌ؛ لَا وَاجِبٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ الاستروشني (٧) وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ، أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَذَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، فَجَازَ أَنْ يَقَعَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى قَوْلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ "التُّحْفَةِ" (٨) أَيْضًا وَفِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَمِثْلُ هَذَا يُوجَدُ مِنْ صَاحِبِ الْكَشَّافِ، وَمِنَ الْإِمَامِ السَّجَاوَنْدِيِّ فِي [قَوْلِهِ] (٩) (وامَّا تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَمُتَنَاوَلٌ لِلطُّمَأْنِينَةِ فِي الانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ، وَلِلطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وامَّا الَأُولَى فَهِيَ الطُّمَأْنِينَةُ، فِي الانْتِقَالِ فَسُنَّةٌ لَا وَاجِبَ بِالاتِّفَاقِ، وامَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهَا) (١٠).


(١) "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٤٧)
(٢) ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (١/ ٩٥: ٩٧).
(٣) في (ب): (السجدة).
(٤) "المبسوط" للسرخسي (١/ ٢٢٠).
(٥) قال بن مازه البخاري: وأما واجبات الصلاة فالمذكور في شروح المشايخ أنها سنّة.
إحداها: تعديل الأركان عند أبي حنيفة ومحمد. انظر: " المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٣٣٨).
(٦) "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (١/ ١٣٣).
(٧) انظر " البناية شرح الهداية للعيني " (٢/ ٦١٣).
(٨) "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (١/ ١٣٧).
(٩) في (أ) (وقوفه) والمثبت من (ب).
(١٠) في (ب): (وأما تعديل الأركان فمتناول للطمأنينة في الانتقال فسنة لا واجب بالاتفاق في الركوع والسجود، وأما الأولى فهي الطمأنينة في الركوع والسجود).