للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، وامَّا الاسْتِدْلَالُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَذْكُورَةٌ عَلَى سَبِيلِ الثَّنَاءِ؛ دُونَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَسَبِيلُ الثَّنَاءِ؛ الْمُخَافَتَةُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي مَسْأَلَةِ التَّأْمِينِ، وَالْجَوَابُ عَنْ أَخْبَارِهِمْ؛ أَنَّهَا كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالثَّنَاءِ، وَالْقِرَاءَةِ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (١) تراحةجلسة اثبت، انظر: " ٤٩)

أَوْ جَهْرٌ لِلتَّعْلِيمِ (كَمَا شُرِعَ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ لِلْإِعْلَامِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَهَرَ بِالثَّنَاءِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلتَّعْلِيمِ) (٢) وامَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ صَحَابِيّاً مِثْلَهُمْ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمْ عَلَيْهِ حُجَّةً؛ وَلِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا تَرْكَ قِرَاءَةِ التَّسْمِيَةِ، لَا الْجَهْرُ بِهَا؛ وَلِأَنَّهُمُ انْتَظَرُوا (٣) حَتَّى فَرَغَ، وَلَمْ يَأْمُرُوهُ بِالْإِعَادَةِ، وَعِنْدَكُمْ (تُعَادُ وَتَفْسَدُ الصَّلَاةُ) (٤) كَمَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، فَيَصِيرُ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا (٥) سُنَّةً، فَيَصِيرُ كَالتَّعَوُّذِ (٦) كَذَا فِي"الْمَبْسُوطِ " (٧) وَ"الأسرار" (٨).

فَإِنْ قُلْتَ خَبَرُ الْإِخْفَاءِ بِالتَّسْمِيَةِ، مِمَّا يَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى؛ كَحَدِيثِ مَسِّ (٩) الذَّكَرِ، بَلِ الْبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ (١٠) لَا يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي عُمُومِ أَوْقَاتِ كَوْنِهِ مُتَطَهِّراً، عَادَةً، وَلَوْ مَسَّ؛ إِنَّمَا يَمَسُّ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ أَوْقَاتُ كَوْنِهِ مُنْتَقِضَ الطَّهَارَةِ، وَحُكْمُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَتَنَاوَلُ تِلْكَ الْحَالَةَ، وامَّا الصَّلَاةُ؛ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا الْقِرَاءَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِالْجَمَاعَةِ، فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، مِنْ غَيْرِ [تَخَلُّفٍ] (١١) فَلَوْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ ثَابِتاً؛ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَاشْتَهَرَ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتاً مَشْهُوراً؛ لَمَا بَقِيَ الاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَلَمَا بَقِيَ الاخْتِلَافُ فِيهِ مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى فِي حُكْمِهِ؛ كَانَ دَلِيلاً عَلَى زِيَافَةِ الْحَدِيثِ، كَمَا فِي خَبَرِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ؛ بِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى خَيْراً كَيْلَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ» (١٢) ثُمَّ بِقَبُولِكُمْ (١٣) خَبَرَ إِخْفَاءِ التَّسْمِيَةِ، وَقَعْتُمْ فِي الَّذِي أَبَيْتُمْ، قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَ الْأَحَادِيثِ؛ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْجَهْرِ، وَيُوجِبُ الاخْتِلَافُ؛ بِأَنَّهُ كَانَ جَهْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (١٤) ثُمَّ تَرَكُوا الْجَهْرَ بِهِ) (١٥) أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالثَّنَاءِ وَالْقِرَاءَةِ، … حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} (١٦) فَتَرَكُوا بَعْدَهُ (١٧) أَوْ لِلتَّعْلِيمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَكُنِ الاخْتِلَافُ حِينَئِذٍ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ (١٨) مُحْكَمٌ فِي الْبَابِ، غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلتَّأْوِيلِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ، وَذَكَرَ/ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ -رحمه الله- فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: (لَمْ يَعْمَلْ عُلَمَاؤُنَا بِخَبَرِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَخَبَرُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرِ النَّقْلُ فِيهَا مَعَ حَاجَةِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ إِلَى مَعْرِفَتِهِ) (١٩).


(١) سورة الأعراف: (٥٥).
(٢) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب) زيادة: (انْتَظَرُوا بِهِ).
(٤) في (ب): (تعاد الصلاة وتفسد.).
(٥) في (ب): (رواة).
(٦) في (ب): (كالقعود).
(٧) "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٥).
(٨) "الأسرار" للدبوسي: (١/ ٤٦)
(٩) المس: مسسته-بالكسر- أمسه مساً، ومسيساً، هذه اللغةُ الفصيحة، ومَسَسته -بالفتح- أمسه
-بالضم- لغة، والمس: مسك الشيء باليد. انظر: "لسان العرب لابن منظور" (٦/ ٢١٧ - ٢١٨)، "النهاية شرح الهداية للمرغيناني" (٤/ ٣٢٩).
(١٠) في (ب): (الناس).
(١١) في (أ): (تحلف)، والمثبت من النسخة (ب) لأنها الأصوب.
(١٢) أخرجه الترمذي في"سننه" (٢/ ٢٥)، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة مال اليتيم، حديث (٦٤١)، وأخرجه الدارقطني في "سننه" (٣/ ٥)، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة في مال الصبي واليتيم، حديث (١٩٧٠)، وأخرجه البيهقي في "سننه" (٦/ ٢)، "كتاب البيوع"، جماع أبواب الخراج بالضمان والرد بالعيوب وغير ذلك، باب تجارة الوصي بمال اليتيم أو إقراضه، حديث (١١٣٠٠).
وقال الترمذي: (وفي إسناده مقال، لأن المثنى بن الصباح يضعف في الحديث).
(١٣) في (ب): (يقول).
(١٤) سورة الأعراف: (٥٥).
(١٥) ساقطة من (ب).
(١٦) سورة الإسراء: من آية (١١٠).
(١٧) في (ب) زيادة جملة غير واضحة وهي: قوله (تصرف بخفقة ثم تركوا).
(١٨) عبد الله بن المغفل بن عبد نهم، بن عفيف بن أسحم بن ربيعة بن عدي بن ثعلبة بن ذؤيب بن سعد بن عدي ابن عثمان بن مزينة، كان يكنى أبا سعيد وكان من البكائين. وكان ممن بايع رسول الله e تحت الشجرة يوم الحديبية، ولم يزل بالمدينة ثم تحول إلى البصرة فنزلها حتى مات بها سنة ٥٩ هـ. انظر: " الطبقات الكبرى لإبن سعد " (٧/ ٩)، "التاريخ الكبير للبخاري" (٥/ ٢٣)، "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (٤/ ١٧٨٠).
(١٩) " أصول السرخسي" (١/ ٣٦٩).