للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالرُّكُوعُ يَحْصُلُ بِأَدْنَى مَا يَكُونُ مِنَ الانْحِنَاءِ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ مَتَى كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَعُ إِذَا انْحَنَى مَعَ عَدَمِ الطُّمَأْنِينَةِ؛ لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ دَوَامٌ عَلَى الانْحِنَاءِ، وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ يُوجِبُ أَصْلَ الْفِعْلِ، وَلا يُوجِبُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ، كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ احْنِ ظَهْرَكَ؛ فَإِنَّهُ كَمَا انْحَنَى يَصِيرُ مُمْتَثِلاً لِأَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ السُّجُودُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ (١) لِأَحَدٍ أَنَّهُ جَعَلَ الدَّوَامَ رُكْناً بِالسُّنَّةِ لَا بِالْكِتَابِ لِمَا أَنَّ السُّنَّةَ؛ الَّتِي رُوِيَتْ فِيهِ مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ فَلَا يَجُوزُ بِهَا نَسْخُ الْجَوَازِ الثَّابِتِ بِأَصْلِ الْفِعْلِ بِالْكِتَابِ.

وامَّا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ فَهُوَ يَشْهَدُ لَنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَرَكَ الْأَعْرَابِيَّ حَتَى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا تَرَكَ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ رُكْنًا لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ، فَكَانَ الْمُضيُّ (٢) بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ عَبَثاً؛ فَكَانَ لَا يَحِلُّ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَتْرُكَهُ، وَكَانَ تَرْكُهُ دَلَالَةً مِنْهُ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ، إِلَّا أَنَّهُ تَرَكَ لِلْإِكْمَالِ فَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ، زَجْراً لَهُ عَنْ هَذِهِ الْعَادَةِ، كَمَا أَمَرَ بِكَسْرِ الدِّنَانِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ عَادَةٍ اعْتَادُوهَا (٣).

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، وَمَا نَقُصَتْ مِنْ صَلَاتِكَ (٤) فَقَدْ وَصَفَ صَلَاتَهُ بِالنُّقْصَانِ، وَهُوَ يَقْتَضِي (٥) وُجُودَ أَصْلِ الْفِعْلِ، وَعَلَى أَصْلِهِ يَكُونُ مَوْصُوفاً بِالْفَسَادِ، وَهُوَ خِلَافُ الْخَبَرِ فَأَمَّا قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ» فَالْمَشْهُورُ مِنَ الْحَدِيثِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ» وَهُوَ لِنَفْيِ الْفَضِيلَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ» (٦) وَلَئِنْ يَثْبُتُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهْدِيدِ لَا عَلَى التَّحْقِيقِ (٧) كَمَا رُوى «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ الْعَبْدِ الْآبِقِ» (٨) وامَّا اعْتِبَارُهُ بِالْقِيَامِ، وَالرُّكْنُ فِي الْقِيَامِ عِنْدَنَا بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الاسْمُ.


(١) في (ب): (يقول).
(٢) في (ب): (المصلى).
(٣) قال الزيلعي -رحمه الله- في نصب الراية للزيلعي: (٤/ ٣١١): وهذا صريح في التغليظ، لأن فيه إتلاف مال الغير، وقد كان يمكن إراقة الدنان والزقاق وتطهيرها، ولكن قصد بإتلافها الشديد ليكون أبلغ في الردع.
(٤) في (ب): (ذلك).
(٥) (وَهُوَ يَقْتَضِي) غير واضحة في النسخة (ب).
(٦) نص الحديث «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ»، أخرجه عبد الرزاق في "مصنفة" (١/ ٤٩٧)، كتاب الأذان، باب من سمع النداء، حديث (١٩١٥)، وأخرجه الدارقطني في"سننه" (٢/ ٢٩٢)، كتاب الصلاة، باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه إلا من عذر حديث (١٥٥٢) و (١٥٥٣)، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (١/ ٣٧٣)، حديث (٨٩٨). وقال بن حجر العسقلاني في"التلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني" (٢/ ٧٧): (مشهور بين الناس وهو ضعيف ليس له إسناد ثابت).
(٧) في (ب): (التخفيف).
(٨) يشير إلى حديث في صحيح ابن حبان (١٢/ ١٧٨) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «"ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً، وَلَا يَرْفَعُ لَهُمْ إِلَى السماء حسنة: العبد الآبق حت يرجع إلى مواليه، فيضع يده في أيديهم، المرأة السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَرْضَى، وَالسَّكْرَانُ حَتَّى يصحو»، وأخرجه أيضاً "ابن خزيمة (٩٤٠)، وابن عدي في "الكامل" (٣/ ١٠٧٤)، والبيهقي (١/ ٣٨٩) من طريق هشام بن عمار، بهذا الإسناد. وإسناده ضعيف، فهشام بن عمار كبر فصار يتلقن، وزهير بن محمد _وهو التميمي الخراساني_ رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، وهذا منها. قال البيهقي في السنن الكبرى (١/ ٥٧٣): تفرد به زهير، وضعفه الألباني -رحمه الله- انظر حديث رقم (٢٦٠٢) في ضعيف الجامع.