للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَادَّعَمَ عَلَى رَاحَتَيْهِ) أَيِ: اتَّكَأَ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ دَعَمْتُ الشَّيْءَ دَعْماً أَيْ جَعَلْتُهُ دُعَامَةً، وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ لِلْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّ آخِرَ الرَّكْعَةِ مُعْتَبَرٌ بِأَوَّلِهَا فَكَمَا (١) يَجْعَلُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ الرُّكْعَةِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ فَكَذَلِكَ فِي آخِرِهَا كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ " (٢).

قوله -رحمه الله-: (وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ).

قُلْتُ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ الْأَنْفِ عَلَى الْجَبْهَةِ مَعَ أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ أَقْوَى؛ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ عِنْدَ وَضْعِهَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ الْأَنْفِ لِاخْتِيَارِ (٣) مَا ذَكَرْنَا مِنْ شرح الطحاوي بِأَنَّهُ يَضَعُ أَوَّلًا عَلَى الْأَرْضِ مَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ.

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَقَدْ أَجْمَعُوا (٤) أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُصَلِّي إِذَا سَجَدَ أَنْ/ يَضَعَ جَبْهَتَهُ وانْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ جَبْهَتَهُ وانْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ (وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (٥) وَ لِأَنَّ السُّجُودَ إَنَّمَا يُوجَدُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ أَمَّا الْأَرْضُ) (٦) فَلَا بُدَّ مِنْهُ [لُغَةً] (٧)؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لُغَةً يُنْبِئُ عَنِ الْوَضْعِ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِقَوْلِهِمْ (٨) سَجَدَتِ النَّاقَةُ إِذَا وَضَعَتْ جِرَانَهَا (٩) عَلَى الْأَرْضِ.

وأمَّا الْوَجْهُ فَثَبَتَ مَحَلًّا لِلْوَضْعِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} (١٠) جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ (١١) الْمُرَادُ بِهِ الْوَجْهُ ثُمَّ وَضْعُ جَمِيعِ الْوَجْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْأَنْفَ وَالْجَبْهَةَ عَظْمَانِ نَاتِئَانِ يَمْنَعَانِ وَضْعَ جَمِيعِ الْوَجْهِ، وَإِذْ (١٢) تَعَذَّرَ وَضْعُ الْكُلِّ كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَضْعُ الْبَعْضِ.


(١) في (ب): (فلما).
(٢) "المبسوط" للسرخسي (١\ ٢٢).
(٣) في (ب): (لاختلاف).
(٤) في (ب): (اجتمعوا).
(٥) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٣/ ٣٩٠)، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، حديث (٥٧٩٢).
(٦) ساقطة من (ب).
(٧) زيادة من (ب).
(٨) في (ب): (كقولهم).
(٩) في (ب): (جرابها) والصحيح ما اثبت انظر " البناية شرح الهداية للعيني " (٢/ ٢٤٠).
(١٠) سورة الإسراء: من آية (١٠٧).
(١١) انظر: "تفسير الزمخشري (٢/ ٦٩٩)، "تفسير القرطبي" (١٠/ ٣٤١).
(١٢) في (ب): (إذا).