للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِي صَلَاتِهِ» (١) نَفْيُ الْكَمَالِ … كَقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ» (٢) وَبِهِ نَقُولُ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مَرَّةً؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ مُطْلَقُهُ لَا يَقْتَضِي التِّكْرَارَ، وَبِهِ نَقُولُ، وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ -رحمه الله- يَقُولُ كُلَّمَا سَمِعَ ذِكْرَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ ذَكَرَهُ بِنَفْسِه يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، فَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) (٣).

وَفِي " الْمُحِيطِ ": (قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا (٤) وامَّا إِذَا قَرَأَ الْبَعْضَ وَتَرَكَ الْبَعْضَ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَكَذَلِكَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْكُلَّ تَجُوزُ فَفِي الْبَعْضِ أَوْلَى، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ خِلَافاً لِأَبِي يُوسُفَ -رحمهما الله-؛ لِأَنَّهُ إِذَا شُرِعَ فِي الْقِرَاءَةِ افْتَرَضَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ؛ فَإِذَا تَرَكَ [فَقَدْ تَرَكَ] (٥) الْفَرْضَ تَفْسَدُ صَلَاتُهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ، وَلَوْ ذَهَبَ وَلَمْ يَسْجُدْهَا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَوْ خَرَّ سَاجِداً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَذَهَبَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) (٦).


(١) أخرجه الدارقطني في"سننه" (٢/ ١٧٠)، كتاب الصلاة، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد واختلاف الروايات في ذلك، حديث (١٣٤٢)، وأخرجه الحاكم في"المستدرك" (١/ ٤٠٢)، أول كتاب الصلاة، باب التأمين، حديث (٩٩٢)، وأخرجه البيهقي في"معرفة السنن والآثار" (٣/ ٦٩)، كتاب الصلاة، الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، حديث (٣٧٢٠).
وقال الدارقطني: (عبد المهيمن ليس بالقوي)، وقال أبو عبدالله الحاكم: (لم يخرج هذا الحديث على شرطهما فإنهما لم يخرجا عبد المهيمن).
(٢) سبق تخريجه (ص: ٣١١)
(٣) "المبسوط" للسرخسي (١/ ٢٩). قال ابن القيم -رحمه الله- في كتاب " جلاء الأفهام" (ص: ٣٢٧) (الموطن الأول وَهُوَ أهمها؛ آكدها فِي الصَّلَاة فِي آخر التَّشَهُّد وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على مشروعيته وَاخْتلفُوا فِي وُجُوبه فِيهَا فَقَالَت طَائِفَة لَيْسَ بواجب فِيهَا ونسبوا من أوجبه إِلَى الشذوذ وَمُخَالفَة الْإِجْمَاع مِنْهُم الطَّحَاوِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض والخطابي فَإِنَّهُ قَالَ لَيست بواجبة فِي الصَّلَاة وَهُوَ قَول جمَاعَة الْفُقَهَاء إِلَّا الشَّافِعِي وَلَا أعلم لَهُ قدوة وَكَذَلِكَ ابْن الْمُنْذر ذكر أَن الشَّافِعِي تفرد بذلك وَاخْتَارَ عدم الْوُجُوب).
(٤) في (ب): (عنده).
(٥) زيادة من (ب).
(٦) "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٣٦٦ - ٣٦٧).